طويلة، وانقسموا حيالها قسمين: مؤيد للحديث، ومتعصب للقديم رافض لكل ما عداه، وقد تعصب معظم النقاد في عصره للقديم، وصور ذلك ابن قتيبة في مقدمته فقال: "فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله، ويضعه في متخيره، ويرذل الشعر الرصين ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله".
وابن سلام عرض للمحْدثين، ولكنه لم يذكرهم في طبقاته، ووقف ابن قتيبة موقفًا جريئًا من قضية القدم والحداثة، حين أعلن أنه لا يتعصب للقديم لقدمه ولا للحديث لحداثته، وإنما يتعصب للجيد من الأدب وإن كان حديثًا، فهو ينحي عنصر الزمان جانبًا عند الحكم على الشعر بالجودة أو الرداءة، وينظر إلى القيمة الفنية في النص ذاته، وأورد نماذج كثيرة لشعراء محْدثين، ودافع عنهم وأبدى إعجابه بهم.
قضية أخرى: وهي قضية البناء الفني للقصيدة العربية، من حيث البداية والنهاية، وما بين البداية والنهاية، بحيث ذكر أن الشاعر كان يبدأ بالأطلال أو النسيب، ثم وصف الرحلة ثم الانتقال إلى وصف المطية، ثم الغرض الأساسي من القصيدة، وعرض ابن قتيبة وجهة نظره في ذلك البناء، وقدم تفسيرا له يسبق زمانه بكثير، تفسيرا جيدا، وجعل هذا الالتزام البنائي للقصيدة عند الشاعر الجاهلي مقياسًا من مقاييس الجودة، ولابد للشاعر أن يلتزم به، فقال: "وليس لمتأخري الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الأقسام"، يعني جعله مقياسًا يحكم من خلاله على الجودة بالنسبة للشاعر، وله وجهة نظره وحلله وعلله تعليلا نفسيًا رائعًا.
أيضًا تناول ابن قتيبة في المقدمة أقسام الشعر من حيث اللفظ والمعنى، وحصره في أربعة أضرب: ضرب حسن لفظه وجاد معناه، وضرب حسن لفظه، وإذا