وقد كان الناشرون الأقدمون يعنون بهذا بعض العناية، وربما اقتصر جهدهم في هذا المجال على نقل نص بأكمله من كتاب معين من الكتب التي ترجمت للمؤلف، نحن الآن في ظل هذه القوانين العلمية التي تتسم بالدقة والتمحيص لا نقبل من الباحث الوقوف عند هذا الحد، وإنما يجب أن يعمل فكره بالتدقيق، والتمحيص، والنقد لما ينقله من معلومات عن المؤلف من شتى المصادر؛ لأنها في النهاية تمثل فكره، وتعبر عن رأيه، ومما يتصل بالتقديم للنص أيضًا التعريف بالكتاب، أي المخطوط، يقدم الباحث دراسة خاصة بالكتاب المخطوط يوضح فيها منزلته، وطريقة معالجته للموضوع، والأشياء الجديدة التي يقدمها إلى الفن الذي ينتمي إليه، وإن كان الكتاب أو بعضه قد نشر قبل ذلك لا بد أن يصف الباحث تلك النشرة القديمة، كما يقوم المحقق بوصف الأصول الخطية التي اعتمد عليها في تحقيقه.
وينبغي أن توصف كل النسخ، وفي مقدمتها النسخة التي اعتمد عليها في تحقيقه بتفصيل تام، دون إغفال أي نسخة من النسخ حتى لو كانت مستبعدة، يصفها ويشير إلى أنه استبعدها، ويذكر الأسباب التي أدت إلى استبعادها، حتى لو نسخة استعان بها في بعض المواضع لا بد أن يشير إليها ويصفها وصفًا كاملًا، ويبين العلاقة القائمة بين هذه النسخ كلما أمكن مبينًا درجات هذه النسخ في الأصالة، وواصفًا الخطوط التي كتبت بها هذه النسخ فيذكر نوع الخط، وكيفية تنقيطه، وما يشاهده فيه من زخرفة وغيرها إن وجد مثل هذا، وهل قوبلت النسخة بأصلها أم لا، ويصف المحقق صفحة العنوان، ويوضح ما كتب عليها من تمليكات، أو سماعات، أو وقف، أو خواتيم، أو مثل هذه الأشياء، ويقتصر في كل ذلك على ما له قيمة، ويستحسن أن يترجم المحقق لمن ورد اسمه في هذه التمليكات أو السماعات ما أمكنه ذلك، وبمقدار ما تسعفه به مصادره؛ فإن مثل هذه الترجمة تكشف لنا عن جوانب مهمة.