حبيب، كل هذا الذي ذكر لابد لكل باحث محقق من الاطلاع عليه، واستيعابه جيدا للتعرف من خلاله على أشكال التصحيف والتحريف، والوقوف على كيفية اكتشافه وإصلاحه.
لقد كان انتشار هذه الظاهرة، واهتمام العلماء بها، وكثرة التصنيفات العلمية فيها مدعاة للبحث عن أسبابها، والوقوف على دوافعها، يعنيني الباحث المحقق في المقام الأول، ليحاول أن يستفيد بها في تحقيق ما لديه، فإن لكل مخطوط ظروفه وملابساته، كما أن الحديث عن تلك الأسباب يعد خطوة ضمن خطوات العلاج؛ لأن تشخيص الداء جزء من الدواء، وإليك بيان هذه الأسباب:
أولا: تشابه كثير من الحروف العربية في الرسم كالباء والتاء والثاء، والفاء والقاف، والطاء والظاء، والصاد والضاد، والسين والشين مع إهمال النقط والشكل في الكتابة العربية لفترة طويلة، مما جعل العين تتشبث بنطق معين لا تجد منه مفرا، بل يحاول القارئ أو الكاتب أن يجد لما قرأ أو كتب وجها، ومن ذلك ما رواه الحاكم والسيوطي أن بعضهم صحف حديث ((زر غبا تزدد حبا)) فقال: زرعُنا تردد حِنًّا، ثم فسره بأن قوما كانوا لا يؤدون زكاة زروعهم، فصارت كلها حناء، طبعا هذا تصحيف واضح سببه هو تشابه الحروف وعدم التشكيل.
السبب الثاني من أسباب الوقوع في هذه الظاهرة: اختلاف الخط العربي بين المشارقة والمغاربة اختلافا بينا، فأحيانا ينسخ ناسخ شرقي كتابا بخط مغربي، وهو يجهل رسوم ذلك الخط المغربي، فيقع في التصحيف، فإن المغاربة يضعون فوق