مثال ذلك ما جاء في (النهاية في غريب الحديث والأثر) في حديث عمر -رضي الله عنه- أن امرأة نشزت على زوجها فحبسها في بيت الزبل. قال ابن الأثير: "هو بالكسر السِّرْجِين وبالفتح مصدر زبلت الأرض إذا أصلحتها بالزِّبْل. قال: وإنما ذكرنا هذه اللفظة مع ظهورها؛ لئلا تصحف بغيرها، فإنها بمكان من الاشتباه". كما كانوا يتدخلون أثناء الكلام أو عقبه بتقييد ينفي التصحيف عن الكلمة. مثال ذلك ما ذكره ابن السبكي في ترجمة أبي القاسم بن السمرقندي حيث قال: "قال أبو شجاع عمر البسطامي، أبو القاسم إسناد خراسان كله والعراق"، ثم وضع بين علامتي الاعتراض قوله: "وإسناد بنون"، يعني: مسنده، وواضح أن مظنة تصحيف إسناد هي أستاذ، فوضع بين علامتي اعتراض الكلمة الصحيحة وقال: "بنون".

ولا شك في أن علماء اللغة والأدب مدينون لعلماء الحديث بأصول ذلك المنهج المحكم في القبول والرد والتصحيح والتضعيف، وفي لفت أنظارهم إلى كشف هذه الظاهرة، فيما انتهى إليهم من كلام العرب، وتدوين ما وقعوا عليه من تصحيف، وإفرادهم المؤلفات الخاصة بالتصحيف والتحريف. وهناك كتب تحدث العلماء فيها عن أشكال التصحيف والتحريف. ربما يكون ابن قتيبة الذي توفي سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة أول من صنف كتابا برأسه في هذا المجال سماه (تصحيف العلماء) ولكن الكتاب لم يصل إلينا.

ثم جاء من بعده أبو بكر الصولي الذي توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة للهجرة فصنف كتابه واسمه (ما صحف فيه الكوفيون) وهو مفقود أيضا، ثم جاء حمزة بن الحسن الأصفهاني الذي توفي سنة ستين وثلاثمائة، فوضع كتابه الشهير الذي نشر أكثر من مرة بعنوان (التنبيه على حدوث التصحيف)، ومن بعده كتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015