رابعا: وبعد أن ينتهي الباحث من هذه المقابلة في المرة الثانية ينظر في الأمر، فإن كان لديه نسخة بخط المؤلف اطمأن أولا إلى وصوله لحد الثقة الكاملة في قراءتها، وفهم مصطلحاتها، ويحتفظ باختلافات النسخ والملاحظات التي سجلها حين المقابلة؛ لكي تساعده على القراءة الصحيحة والترميم، وهنا في الحقيقة تظهر الشخصية العلمية للباحث في الإحاطة الدقيقة بالمادة العلمية للمخطوط. يبدأ الباحث بقراءة المتن قراءة واعية، وهذه مرحلة تعد من أخطر المراحل، وتظهر من خلالها ثقافة الباحث وملاحظته ومدى تعمقه في تخصصه العلمي، ويثبت الباحث الرسم الذي اعتمده في النهاية، وهو الرسم الذي يورده المؤلف، بمعنى أنه يثبت المتن كما أراده صاحبه دون تدخل في تعديله أو تحسينه فلا يغير شيئا في المتن أو يبدله.
وقد يقال: كيف نترك الخطأ يشيع في المتن، وما قيمة التحقيق حينئذ؟ لم يقل أحد: إن الباحث سيترك الخطأ يشيع في المتن، لقد اتفقنا على أن التحقيق عبارة عن محاولة المحقق الوصول بالنص إلى أقرب صورة لما أراده المؤلف، ولا شك في أن المؤلف لا يريد شيوع الخطأ في متن مؤلفه هذا شيء بدهي، ومن ثم لابد أن يتدخل الباحث بالإصلاح، لكنه إصلاح مقنن له نظام وطريقة خاصة يعتمد الباحث على ما لديه من حس لغوي، وهو يعالج النص، فإن استغلق عليه فهم شيء من النص فهو بين أمرين هما سبب هذا الاستغلاق، ومن خلال تحديد أحد الأمرين يستطيع أن يحدد طريقة العلاج والإصلاح.
الأمر الأول: قد يكون العيب في الباحث نفسه، كأن يكون محصوله اللغوي قليلا مثلا لا يؤهله لفهم دلالات الألفاظ والتراكيب داخل المخطوط.