فقد اقتبس هؤلاء أشياء كثيرة من رسم القرآن الكريم مع أن العادة في الرسم قبل ذلك كانت تخالف رسم القرآن الكريم، لو تأملنا كثيرا من الكتب الخطية لوجدناها تخالف القواعد الإملائية الموضوعة في هذه الكتب، فلا يكاد يوجد في الكتب الخطية القديمة ما يوافق قواعد العلماء في الإملاء إلا نادرا، فلينتبه الباحث إلى مثل هذه الأشياء، وليعلم أن لكل مخطوط طريقته في الكتابة ربما تخالف ما شاع حينئذ، وربما تتفق معه، وبعض الكتاب القدامى يضعون علامات تدل على إهمال الحروف، فبعضهم يشير إلى السين المهملة بوضع نقاط ثلاث من أسفلها إما صفا واحدا، وإما صفين، وبعضهم كان يكتب سينا صغيرة تحت السين، وكانوا يكتبون حاء صغيرة تحت الحاء المهملة، ومنهم من يضع فوق الحرف المهمل أو تحته همزة صغيرة، ومنهم من يضع خطا أفقيا فوقه، وهكذا تكثر تلك العلامات والرموز.
ولا يمكن للباحث أن يقرأ النص قراءة صحيحة إلا إذا تمرس بكل ذلك ومرن نفسه، واكتسب خبرة بها من خلال اطلاعه على الكتب التي اهتمت بدراسة الخطوط ككتاب (المطالع النصرية) للشيخ نصر البوريني، وغيره من الكتب. كما يحتاج المحقق أيضا قبل الولوج إلى المتن إلى خبرة خاصة في معرفة التشكيل والضبط، وهو الذي كان يسميه أبو الأسود الدؤلي: النقط، فيروى عن المبرد أنه قال لما وضع أبو الأسود النحو قال: "ابغوا لي رجلا لَقِنا -يعني سريع الفهم- فطلب الرجل فلم يوجد إلا في عبد القيس، فقال أبو الأسود: إذا رأيتني لفظت الحرف فضممت شفتي فاجعل أمام الحرف نقطة، فإذا ضممت شفتي بغنة فاجعل نقطتين، فإذا رأيتني قد كسرت شفتي فاجعل أسفل الحرف نقطة، فإذا كسرت شفتي بغنة فاجعل نقطتين، فإذا رأيتني قد فتحت شفتي فاجعل على الحرف نقطة، فإذا فتحت شفتي بغنة فاجعل نقطتين"، وهكذا كانت الحركات،