لكن، وبعد الهاء في: هكذا، ولا يضع الألف الفارقة في مثل: قالوا هنا ألف فارقة بعد الواو، وغير ذلك كثير. وبعض النُسَّاخ كان يقارب بين رسمي الدال واللام أو بين رسمي الغين والفاء، ولا يدرك الفصل بينهما إلا من أوتي حظا من الخبرة بالخطوط وأصحاب الخطوط، فلابد إذًا من المران على قراءة خطوط القدماء والوقوف على طريقة النُسَّاخ في كتابتهم للحروف الهجائية؛ حتى لا يخلط المحقق بين الراء والدال أو اللام والكاف، وقد كان لبعض النُسَّاخ في الزمن القديم اصطلاحات خاصة في الضبط بالشكل مثلا.
فلابد للباحث المحقق من التعرف على هذه المصطلحات في المخطوطة قبل الدخول إلى النص، يعرف من الذي كتبها من النُسَّاخ، وما طريقته؟ وما هي الطريقة التي كانت تتبع آنذاك في النقط والشكل، فقد كان بعض الكتاب يكتب الشدة والفتحة، والشدة والكسرة بطريقة تخالف طريقتنا اليوم؛ إذ يضع الفتحة تحت الشدة، فيخيل لمن لم يتمرن على خط المخطوط أنها شدة وكسرة، في حين أن طريقة هذا الكاتب وضع الشدة فوق الحرف والكسرة تحته للدلالة على الشدة والكسرة.
وليحذر الباحث من تطبيق القواعد الإملائية التي درسها، ويستخدمها اليوم في كتابته على المخطوطات التي يستخدمها ظنا منه أن هؤلاء العلماء هم الذين وضعوا القواعد، وأصلوا الأصول كثير من الباحثين المحققين يقع في هذا الخطأ، هؤلاء علماء نعم لكن لهم طريقة في الكتابة والرسم تختلف، أقول: إن الإملاء العربي لم يبحث بحثا كافيا، ولم تقعد قواعده إلا في فترة متأخرة، وإن وجدنا بعض العلماء يهتمون بالإملاء في مؤلفاتهم، فإن ذلك الاهتمام ينصرف إلى الرسم القرآني كما في (أدب الكاتب) لابن قتيبة مثلا، وفي (صبح الأعشى) للقلقشندي، و (الكتاب) لابن درستويه.