ثالث هذه الشروط: أن يكون الباحث المحقق متمكنا من المادة العلمية للنص المراد تحقيقه، أن يكون محيطا بها من شتى جوانبها بحيث يكون خبيرا بها، وبالخط الذي كتبت به، وبالعصر الذي كتبت فيه، فلا يصح أن يحقق الباحث مخطوطا في الشعر مثلا وهو لا يعرف أصول الشعر وطرائقه، أو لا يعرف نوع الخط الذي كتب به، أو العصر الذي سجل فيه.
الشرط الرابع: أن يكون المحقق ذا ثقافة واسعة متنوعة، لا يقتصر في تحصيل المعرفة على المادة العلمية المتخصصة فحسب، وإنما يأخذ من كل علم بطرف، فقد يكون صاحب النص الذي يريد تحقيقه ذا فكر موسوعي شامل، يحتاج في التعامل مع نصه إلى صاحب فكر شامل وثقافة متنوعة، وقد تصادف المحقق معلومة خارج تخصصه، فلا يقف حيالها متحيرا، فلا بأس إذن من الإلمام بعدة ثقافات. وبالإضافة إلى هذه الشروط هناك أخلاقيات ينبغي أن يتصف بها المحقق، أهم هذه الأخلاقيات: الصدق والأمانة والموضوعية، البعد عن الهوى، التحقيق نتاج علمي وخلقي لا يقوى عليه إلا من يتصف بهذه الأخلاق، ومن ثم فالأمانة العلمية تحكم المحقق بتسجيل النص على صورته الحقيقية الموروثة، وليس من الأمانة إطلاقا استبدال كلمة بأخرى بحجة الدلالة أو الدقة أو الرشاقة أو الرقة، أو أي شيء من هذه الحجج، فليس تحقيق النص تحسينا أو تصحيحا، لا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.