فكرها، وسجل حضارتها، وصور عبقريتها، هذه من البديهيات الظاهرة التي يلحظها كل من يبحث في المخطوطات حتى لو كانت غير متخصصة في الأدب.

كلمة تراث مأخوذة من: ورث، فالتاء في كلمة تراث مبدلة من الواو فالعرب يقولون: ورثت الشيء من أبي أرثه وراثة وإرثا، وهو متعدد الجوانب عند العرب، وأنا لا أعني التراث بمعناه العام، ولكن التراث الذي أعنيه هنا هو: ما خلفه العرب من ألوف الكتب والرسائل، والتي لا يزال كثير منها مخطوطا في مكتبات العالم شرقه وغربه، وما تحتوي هذه الكتب من آراء ونظريات تشهد على أصحابها أو لهم، وتعكس فكرهم وثقافتهم، وتصور حضارتهم، وليس هناك حدود معينة لتاريخ أي تراث، فكل ما خلفه المؤلف من نتاج يعد تراثا فكريا له قيمته، والأمة العربية تملك أعظم ثروة تراثية في مختلف مجالات العلم والمعرفة، وحري بنا أن نقف أمام هذه الكنوز وقفة إكبار وإجلال، ونطاول بها أعنان السماء في اعتزاز وفخر وشموخ.

وقد توالت على التراث العربي نكبات عدة ومحن عاتية عصفت به -اقرءوا التاريخ فإنه خير شاهد على ذلك- وذهبت بالكثير من كنوزه ونفائسه كالغزو المغولي الذي دمر مراكز الحضارة الإسلامية في بغداد، وقضى على مقتنيات بيت الحكمة، فأحرق بعضها وأغرق البعض الآخر في مياه دجلة، ومن ثم ضاع كثير من هذه الكنوز وتلك النفائس، ولو بقيت لبقي علم وفكر لا حدود لهما. ومن تلك النكبات أيضا الغزو الصليبي الذي ضيع مراكز الحضارة الإسلامية في منطقة الشام، وأهدر الألوف من الكتب القيمة كما يشهد بذلك التاريخ أيضا، ومن تلك النكبات الفتن الداخلية المذهبية في داخل الأوطان العربية ذاتها، هذه الفتن المذهبية والسياسية والاقتصادية التي انعكست آثارها على تراث الأمة الحضاري والفكري، وراح ضحيتها آلاف الكتب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015