والسلامة مما يجعل الإفادة منها كبيرة. ومن قائل: إنه بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، والكتاب المحقق هو: الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه.
وبعضهم قال: إن التحقيق هو: بذل الجهد، واستقصاء البحث بغية الوصول إلى حقيقة ما قالها مؤلف النص. وبعضهم قال: إن التحقيق هو الاجتهاد في جعل النصوص مطابقة لحقيقتها في النشر، كما وضعها صاحبها ومؤلفها من حيث اللفظ والخط والمعنى. وهناك أقاويل كثيرة غير التي ذكرت، لكنها تدور حول هذا المعنى، ولا تخرج عن هذا الإطار، ولو تأملت معي هذه الأقاويل جيدا لاتضح لك أنها تتوجه بالتحقيق نحو النص نفسه، وتكتفي بتقديم النص المخطوط كما أراده مؤلفه، وتغفل خدمة النص تماما، فلم يشر أي من هذه التعريفات السابقة إلى تخريج النص أو شرح غامضه أو فهرسته أو ضبطه، أو غير ذلك مما يخدم النص، أعني: التعريف لم يشتمل على إشارة إلى هذه الأشياء، لكن جميع المحققين الذين أشاروا إلى هذه التعريفات بلا شك يتحدثون عن كل هذه الجوانب التي أشرت إليها، ولم توجد لها إشارة في التعريف، بمعنى أنهم عند التطبيق يخدمون النص، ويتناولونه من جميع جوانبه لكن التعريف لا يشتمل على إشارة تدل على هذه الخدمة، وليس هذا الذي أشرت إليه من خدمة النص من قبيل النافلة، وإنما هي قضايا أساسية تدخل في صميم العمل التحقيقي.
إن العالم الذي يحقق كتابا من كتب التراث يصبح أقرب الناس إليه، وأكثرهم فهما لغامضه، وإدراكا لمشكلات نسخه ومعرفة بمصادره وطريقته؛ لأنه قرأ