أما عن استخدام المحدثين للمصادر: فقد تعددت المصادر تعددًا ملحوظًا في العصر الحديث، وأصبحنا نجد أكثر من مصدر في الموضوع الواحد، وفي بعض الأحيان يصعب جمع هذه المصادر. ومن ثم، اهتم المحدثون بتحديد المصدر الأسبق، أو المتقدم وعدوه أصلًا، كما اهتموا بكيفية الإفادة من المصادر، ولم يكتفوا بجمعها أو الإشارة إليها فحسب، كما اهتموا بلغة المصدر أيما اهتمام في عصر تعددت فيه اللغات، وكثرت الترجمات، وأصبح لزامًا على الباحث الإلمام بهذا جميعًا.
أما من حيث نقلهم للمصادر: فقد انصرف هذا النقد إلى الرواية والرواة كما فعل القدماء من قبل، فقد لفت نقد القدماء للرواية والرواة أنظار المستشرقين، وبدل أن يقفوا عند حد الإعجاب بصنيع هؤلاء، ودقتهم، وتمحيصهم مضوا يتهمون الشعر الجاهلي عامة دون الاعتماد على أدلة تؤيد ما ذهبوا إليه، ولعل "مارجليوس" يأتي في مقدمة هؤلاء الذين نقدوا المصادر من المستشرقين، حيث كتب مقالًا طويلًا في مجلة الجمعية الملكية الأسيوية سنة خمس وعشرين وتسعمائة بعد الألف، بعنوان: "أصول الشعر العربي" محاولًا التشكيك في الرواية والرواة، وكذا نقد المستشرق الألماني "فلهوزن" لرواية الطبري، وطريقته العلمية في استخلاص الصحيح منها، والنفي الزائف. وقد فحص هذا المستشرق روايات الطبري فحصًا دقيقًا، وقام بجهد كبير في المقارنة بين روايات الأخبار، والأحداث، واستخلاص الصحيح منها، وهذا لا يقلل من شأن الطبري بحال من الأحوال، ولا من شأن منهجه، وهو لم يجمع تلك الروايات عبثًا، وإنما جمعها؛ لأنها تمثل مصادر