ومن أجل أن تخرج الخطة كاملة لا يعتريها نقص أو خلل أرى أنه ينبغي للباحث أن يترك خطته مدة من الزمن، ولا ينقطع تفكيره عنها خلال هذه المدة، يعني: يظل على اتصال بها، يترك خطته مدة من الزمن، وكلما عرض له رأي خلال هذه المدة التي يتركها فيها، أو عنت له فكرة، أو ظهر له خاطر، أو جد خبر، رجع إلى الخطة فتأملها، وأجرى عليها من التعديل ما يجعلها قابلة لاحتواء كل جديد، هذه المدة التي أشرت إليها تسمى: فترة التخمير، أو تسمى: فترة اختمار الخطة. فإذا ما استوت الخطة، واكتملت عناصرها يعرضها الباحث على الأستاذ المشرف.
واعلم أيها الباحث أن الخطة هي أساس بحثك، وهي المحك الذي يكشف عن علمك وفكرك ودرايتك وثقافتك، وهي أخطر ما تقابل به المشرف، فاحذر العجلة، وإياك أن تقدم عملًا غير كامل، واحذر أن تعرض على أستاذك أمرًا من الأمور التي تدل على ضعفك، أو كسلك، أو تقصيرك. احذر ذلك جيدًا، وتنبه له. وقد ترفض الخطة من أستاذك، وهذا أمر لا يقلل من شأنك إلا إذا كنت قد قصرت، ولم تتبع الخطوات الصحيحة في رسمها، وقد يقوم الأستاذ المشرف بالتعديل فيها، فقد يضيف إليها أشياء، أو يحذف منها شيئًا، كل هذا وارد، فلا تنزعج، ولا تقلق، فلكل رؤيته المبنية على علم وخبرة بطرق البحث العلمي وإجراءاته، ولا تتعجل الانتهاء من خطتك إذا طلب منك تعديلها، بل لا بد من التأني والإفادة من توجيهات أستاذك، هذا الذي أشرنا إليه من التنظيم والإعداد، ووضع الإطار العام لخطة البحث لا يعني أنك وصلت إلى نهاية المطاف، وأن عملك في الخطة قد انتهى عند هذا الحد. هذا الذي أشرنا إليه يمثل صورة أولية من صور الخطة، وهي صورة تعتمد على الخيال، وبعض المعلومات وخبرة الباحث آنذاك، ويراها الباحث مقبولة حينئذ.