فيراها في صورة غير التي نراها عليها، والأديب ينقل إلينا مشاعر وأفكارًا؛ فيؤثر فينا، ويجعلنا نشعر بالمتعة، ولا يطلب منه أن يؤدي حقائق عقلية أو ذهنية، وإنما يؤدي حالات ومواقف وجدانية. ومن ثم، نجد أن الحقائق تتبدل عنده بتبدل أحواله -أي أحواله الشعورية-، فإذا كان فرحًا هش للطبيعة، وتراءى له كل شيء فيها كأنه يداعبه ويضاحكه، وكل شيء حوله ضاحك، أما إذا كان حزينًا مهمومًا فيبدو كل شيء في الطبيعة من حوله كأنه يغاضبه، وكل عنصر من عناصر الطبيعية حوله عابث متجهم. الحقيقة أن الطبيعة لم تتبدل، وإنما تبدلت مشاعر الشاعر فتبدلت الحقائق في خياله وتصوره، وخرجت ألفاظه وصوره تحمل ذلك التبدل، وتعكس تلك المشاعر.
ومن ثم لم يرتبط الأدب بحقيقة ما، ولا بصدق أو كذب، وليس معنى هذا أن الأدب لا يؤدي حقيقة البتة، فقد يؤدي بعض الحقائق، ولكن ليست هذه غايته، وإنما غايته إثارة المشاعر والأحاسيس، وفي ذات الوقت لا ينفصل عن حاجات مجتمعه، وإنما يمتزج به، ويكون جزءا مهمًا منه.
والأديب عندما يصنع الأدب لا يصنعه لنفسه، وإنما يصنعه للجماعة التي يعايشها، لو كان الأديب يصنع الأدب لنفسه لاكتفى به، ولم يخرجه للناس؛ لأنه يشعر بما يقول؛ تعبير عن حسه وشعوره، فكان يكفيه أن يعبر عما في نفسه لنفسه، لكنه يخرجه للناس. ومن ثم، كان الأدب ذاتيًّا غيريًّا في نفس الوقت، ذاتي في صدوره عن صاحبه، وتعبيره عن أحاسيسه ومشاعره؛ فهو يعبر عن ذات تحمل كمًّا من المشاعر والأحاسيس، وغيري في تصويره لمشاعر الناس وأحاسيسهم، وكل ما يموج به مجتمعهم من قيم مختلفة. فالمتلقي حين يقرأ العمل