الألفاظ، ونغوص في أعماق التراكيب، ونستخرج منها ما تحمله من دلالات مختلفة، وسنصل من خلال ذلك كله إلى طبيعة البيئة التي عاشها، ونتعرف على الحالة الشعورية التي شكلت نفس شوقي، ومدى تمكن الشاعرية من نفسه.
فإذا نظرنا نظرة فاحصة في النص يمكننا الوصول إلى أعماق نفس الشاعر، وذاك غاية المنهج النفسي، نتأمل مثلًا قوله: "اذكرا لي، صفا لي، سنة حلوة، أسى جرحه، مسطتار، رق" هذه الألفاظ وغيرها تكشف لنا عن نفس منقسمة على نفسها حزينة؛ لبعدها عن وطنها، مضطربة بسبب هذا البعد، ولو أردت فهمًا أكثر لهذه النفس لأمكنك ذلك من خلال البيت الأول فحسب، لو تأملت حروف المد الكثيرة فيه، وهي تحتاج إلى نفس أطول من غيرها؛ لأن هذا يناسب أو يتفق، أو ينسجم مع حال الشاعر، نفس قد امتلأت بالأحاسيس والمشاعر، نفس قد أصيبت بالحزن والألم، تحتاج إلى إيقاع هادئ ممتد طويل؛ لكي يحمل كل هذه الأحاسيس والمشاعر، ولو أننا نظرنا نظرة سريعة، ووزانا فيها بين بيتين، بين مطلع القصيدتين، مطلع شوقي، ومطلع البحتري؛ لتأكد لنا ذلك جيدًا.
الإيقاع عنصر فني موجود، لكن من خلال تعاملنا مع الإيقاع نتعرف على نفسية الشاعرين، يعني: نصل إلى ما يمكن أن يوصلنا إليه المنهج النفسي. تأمل الإيقاع عند شوقي:
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي ... اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
تأمل حروف المد، الإيقاع ممتد طويل؛ مما يؤكد أن نفسية شوقي نفسية مكلومة حزينة ممتلئة مشاعر حزينة، يحتاج إلى بحر، وإيقاع طويل يكفي لاستيعاب هذه المشاعر والأحاسيس، لكن تأمل بيت البحتري:
صُنْتُ نَفْسِي عَمّا يُدَنّس نفسي،
وَتَرَفّعتُ عن جَدا كلّ جِبْسِ
تلاحظ سرعة في الإيقاع، وهذا يدل على ما كان يعتريه من خوفًا، وهو في طريقه إلى إيوان كسرى هاربا بعد مقتل المتوكل الخليفة العباسي.