هذا جانب نفسي تعرفنا عليه من خلال التأمل في لفظة وردت بطريقة معينة، وفي مكان معين، وتمضي الأبيات متخطية حال المبدع إلى المتلقي، وفي نفس المتلقي أثر العمل الأدبي على المتلقي أو على نفس المتلقي. تضمي الأبيات متخطية حال المبدع إلى المتلقي حين حاول الشاعر استمالة قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتأثير في نفسه؛ ليظفر بما يريد من عفوه -صلى الله عليه وسلم-.
نريد أن نكشف عن هذه الاستمالة، وهل تمكن الشاعر من التأثير في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يمثل المتلقي في هذا الموقف؟ هل تمكن كعب من الوصول إلى قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتأثير فيه حتى يظفر بما يريده من عفو؟ كيف نكشف عن هذا؟ نكشف عن هذا الآن من خلال منهج فني، عندما نحلل البيتين الثاني والثالث تحليلًا فنيًا دقيقًا نتأكد، أو يتبين لنا أن الشاعر قد نجح فعلا في استمالة قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستطاع أن يؤثر في نفسه بعدما وضح له حقيقة الموقف، وأتى بالحجة الدامغة، كيف ذلك؟ لاحظ أسلوب الدعاء: "هداك الذي أعطاك نافلة القرآن": أسلوب دعاء المقصود منه التأثير في نفس المتلقي، ثم محاولة إثبات براءته بقوله: "ولم أذنب" وهذه حجة يكشف عن حال المدعى عليه. لم أذنب: لم أرتكب ذنبًا أستحق عليه العقاب.
تكشف لنا هذه العبارة أيضا عن القلق الذي كان يعتري قلب كعب آنذاك، وهو يقف أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يملك إلا التوسل، والتذلل. تأمل ذلك الخضوع، ذلك التذلل: "هداك الذي أعطاك نافلة القرآن" دعاء محاولًا أن يرقق قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولو تأملت الأسلوب في البيتين الثاني والثالث، وأدركت ما بينهما من فروق؛ لاتضح لك، أو لتكشفت لك نفس الشاعر.
فالبيت الثاني فيه تذلل وخضوع "مهلا هداك الذي"، وهذا يناسب الاستمالة. ومن ثم، جاء الإيقاع متسمًا بالهدوء، يوظف الإيقاع أيضا، جاء الإيقاع متسما