وترتيبه لذلك النسق الذي ترتبت عليه المعاني، كما تصور الفكر أجزاءها، وهي في دور التكوين.

عملية تخلق الجمال الأدبي عند عبد القاهر ليست عملية سهلة، وإنما هي عملية في غاية الدقة، تمر بمراحل أو أطوار:

الطور الأول: النظام والترتيب.

الطور الثاني: تحديد قسمات هذا الوليد الجديد، وتعهده حتى يصير محل إعجاب وإغراب، وهذا التحديد لا يكون إلا من خلال مجموعة من المزايا في اللفظ، والأسلوب، ونوعا من العلاقات بين الجمل، تملأ النفس بجمال إشعاعها، فإذا نثر الخيال وشيه على الأسلوب، وأشاع فيه النماء والحركة باستعارة تقع موقعها مثلًا، أو تشبيه يحدث أثره في النفس، فذلك هو الجمال الذي يملك الألباب، ويسري بالروح في معارج المتعة والرضا.

وخلاصة القول، أن الجمال الأدبي كامن في الأدب ذاته، يحتويه الأسلوب، ويستشفه الذوق الفني المرهف حين تصنعه الموهبة الفنية، وتدركه أذواق النقاد ذوي المواهب، وأن وعاء الجمال هو على التحديد مادة اللغة، وبراعة استعمالها. وعلى هذا، فإن للجمال الأدبي وجودًا ثابتًا حددته العبقريات الأدبية العملاقة.

إنه يتمثل في القدرة الفائقة التي يلائم بها الأديب ملائمة كاملة بين شعوره بالفكرة، وبين إحساسه اللغوي، فإذا امتزج كل منهما بالآخر تخلق منهما كائن جديد، له مزايا الفكر والإحساس جميعًا. وما يزال الأديب يخلع على هذا الوليد مطارق خياله، ووشي براعته؛ حتى يتم له الجمال كما يريده صانعه. هذا مضمون النظرية العربية كما رآها نقادنا في القديم، وهي -كما ترى- نظرية واقعية موضوعية في تعاملها مع النص الأدبي، أو العمل الأدبي، وهي تبحث عن فكرة الجمال فيه.

والسلام عليكم رحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015