على النماذج الأدبية جمالا، ويهبها روعة وفتنة، بحثوا طريقة تناول الأدباء أجزاء المعنى الواحد، وتنوعت دراساتهم عن الأسلوب الذي يحتوي المعنى، ويفصح عنه، وامتدت دراساتهم إلى الأدباء أنفسهم، والمؤثرات التي أثرت فيهم، كل هذا جيد، ولكن المتأمل في نظرية الفلسفة الجمالية التي سبق عرضها يلاحظ شيئين:
أولا: أنها أخذت طابعًا غربيًّا، وكأن العرب لا علم لهم بها.
ثانيًا: أن دراسات الغرب، ومن لف لفهم من العرب في الغالب أخذت طابعًا فلسفيًّا، فهي دراسات فلسفية، قدمت للمتلقي جانبا من المعرفة، لكنها لم تقدم له شيئا عن الجمال الأدبي؛ ولذلك أردت أن نتعرف على رؤية العربي لفكرة الجمال الأدبي، وماذا قدموا في هذا المجال.
الحقيقة، أن رؤية العرب لفكرة الجمال الأدبي كانت أكثر عمقا وموضوعية؛ لأن العرب لم يذهبوا إلى الأخذ بنظرية الجمال المطلق، أو المثالي المجرد في أدبهم ذلك الجمال الذي يدرك بالعقل دون التماسه في العمل الأدبي نفسه.
العرب لم يهتموا بهذا، لم يهتموا بنظرية الجمال المطلق، وهم يبحثون في الفن الأدبي، وقد ظهرت عندهم بعض الاتجاهات الجمالية التي تربط الجمال بالفضائل والوعظ، كما عند ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) مثلًا، أو تربطه بالفكر الإغريقي كما عند قدامة بن جعفر مثلًا، لكنها لم تلبث طويلًا في الذوق العربي العام في تقويم جمال الأدب.
وكان عبد القاهر الجرجاني حامل اللواء في هذا المجال؛ فقد اتجه إلى أن فكرة الجمال الأدبي تكمن في الإنتاج الأدبي نفسه، ونفى كونها فكرة مجردة تقوم على النظريات والافتراضات، فمظاهر الجمال لدى عبد القاهر إنما هو نتاج مواهب فنية ذات كفاءة عالية في صياغة المعاني، وإفراغها في أسلوب مطابق في نظامه،