ومن فلاسفة الجمال الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر "كروتشيه" وهو فيلسوف إيطالي امتاز هذا الرجل بالتعمق في مباحثه، والطرافة في التفكير. يرى "كروتشيه" أن الجمال في الفن يعود أو يمكن في تعبيره، والتعبير عنده ذو مدلول واسع إذ يجعله مرادفا للصورة، ولا يقصد به الألفاظ المفردة فحسب، ويرى أن تبديل أو تغيير في العبارة يجعلها جديدة في بنائها، فهو مصدر الجمال وينبوعه لا المضمون ولا المحتوى، ولذلك فإن كل موضوع صالح لأن يكون مادة للفن، وليس هناك موضوع لفن الشعر، وليس هناك موضوع فني يصلح للشعر، وموضوع آخر لا يصلح للشعر.
ويستدل على ذلك: بأن الشاعر قد يتخذ من الشيء غير الحسن في الظاهر موضوعًا له، كالبائس التعس الممزق الثياب تزور منه العيون، يأخذه الشاعر ويحوله إلى لوحة فنية مؤثرة، تجذب الأبصار، وتستهوي القلوب. ويرى "كروتشيه" أن الجمال والقبح ليسا ذاتيين في الطبيعة والإنسان، وإنما هما مقيدان باللحظات النفسية للناس والفنانين من حولهم، وهو يرى أن غاية الفن الجمال، وهو بهذا يجسد الجمال الفني في التعبير، والأداء الكلي للصياغة، ويعزله عزلًا تاما عن المجتمع، وكل ما يتصل به، وكأن الفن شيء والمجتمع شيء آخر، ولا صلة بينهما. أو بعبارة أدق: ينبغي ألا تبحث هذه الصلة، وألا تدخل بأي حال من الأحوال في حساب أصحاب الفلسفة الجمالية.
ومن فلاسفة القرن التاسع عشر أيضا: الفيلسوف الفرنسي "شارل لالو" الذي ذهب إلى أن الفلسفة الجمالية ينبغي ألا تظل في الإطار المعياري الذاتي الذي ساغه لها "كانت"، ويرى أنه لابد أن تدخل في هذا الإطار نسب موضوعية في الأشياء الجميلة، تجذب قلوبنا، وهي نسب من شأنها أن تتسع لمجال البحث في