من الفنون؟ وهل يضع الفنان أو الشاعر ذلك في اعتباره حين إبداعه؟ أو هل للشعر أو الفن عموما رسالة اجتماعية، أم أن الغاية منه مجرد المتعة فحسب؟ أسئلة كثيرة نشأت إثر ظهور هذه القضية، هذه في الحقيقة قضية قديمة اتضحت منذ طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته لأخلاقهم المذرية المنحرفة، ورد عليه أرسطو بأن الشعراء يطهرون المجتمع، ويخلصونه من أدران هذه الأخلاق السيئة، وكما كان لهذه القضية أيضا حضور قوي في فكر نقادنا العرب القدامى، وهم يعالجون شتى القضايا في كتبهم.

وظلت القضية قائمة حتى القرن التاسع عشر، حيث ظهرت نظرية الفلسفة الجمالية، وشاع بين فلاسفة الجمال: أن الفن لا غاية من ورائه إلا الإحساس بالمتعة والجمال. واحتدم الصراع بين هؤلاء وخصومهم، واتخذ شكل معارك عنيفة خاصة بعد ظهور ديوان "أزهار الشر" لـ"بوتير"، ورأى هؤلاء أنه لا ينبغي أن نحكم على الفن بمقاييس أجنبية عنه أخلاقية كانت أو غير أخلاقية، وإنما نحكم عليه بمقاييس الجمال الفني، وهذه المقاييس في رأيهم تنفصل عن قيم الأخلاق انفصالًا تامًّا. أما خصوم هؤلاء: فرأوا أن الفن لا ينبغي أن يكون أداة لنشر الرذائل في المجتمع، وإنما ينبغي أن تكون له رسالة اجتماعية يؤديها، ويؤثر بها في الحياة.

والحقيقة، أنه لا ينبغي أن نجرد الفن من رسالته الاجتماعية، وهذا -كما أشرت- لا يتناقض أو يتنافى مع ما فيه من قيم جمالية، بل العكس هو الصحيح، فإن من يرسي قيمة خلقية لفن من الفنون في قالب بلغ الغاية من الجمال، يكون كمن يقدم هدية في طبق من ذهب، ولا مانع من الجمع بينهما، ولكن إذا انهارت الأخلاق في مجتمع من المجتمعات انعدم إحساس ذلك المجتمع بالجمال أيًّا كان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015