موضوعة، وقد تبحث في فن من الفنون، ولكن لكي تصل من خلال هذا البحث إلى أحكام كلية، تصلح لتطبيقها على جميع الفروع التي تندرج تحت هذا الفن؛ لتصل إلى أحكام كلية تطبق على جميع الفنون بلا استثناء. ولذا يتضح لنا أن البحث في الفنانين، وبيئاتهم وعصورهم، وظروفهم، وخصائصهم من أجل الوصول إلى نتائج تتعلق بكل جزئية من تلك الجزئيات خاصة، مثل هذا البحث ليس من مجالات الفلسفة الجمالية، وإنما من عمل من يؤرخون للفنون.
لابد أن نفرق بين عمل الباحث الذي يؤرخ للفن أو للفنان، وبين عمل الباحث الذي يبحث للأدب من خلال فلسفة جمالية. وكذلك البحث في قصيدة بعينها أو قصة أو مسرحية؛ للكشف عن معايير الجودة في كلا منها، لا يدخل ضمن مباحث الفلسفة الجمالية.
وفكرة الفلسفة الجمالية فكرة قديمة، نجدها عن أفلاطون في حديثه عن قضية الإلهام في الشعر، فإنه ذكر أنه حين النظم يأخذه ما يشبه الجنون وأنه -أي الشاعر- يصدر في شعره عن عقله الباطن، أو عن اللاشعور. كما ذهب أفلاطون إلى أن الشعر يحاكي حقائق الواقع، وهي في رأيه صورة للجمال المطلق، وعالمه المثالي.
وبهذا يكون أفلاطون أول من تحدث عن الجمال الكلي بين الفلاسفة. أما تلميذه أرسطو: فهو أول من تحدث عن اللذة التي نحثها في الفنون حين تحدث عن نظرية التطهير. ونمضي حتى نصل إلى القرن الثالث الميلادي، فنلتقي بالناقد الإغريقي "لون جنيوس"، وما ذهب إليه من أن غاية الشعر جمالية ليس إلا، تتمثل هذه الغاية: في التأثير في المتلقي تأثيرًا جماليًّا، وليست وراءه غاية تربوية، أو أخلاقية، أو نفسية. ورغم أنه لم يستخدم مصطلح الفلسفة الجمالية في بحوثه، لكنه يعد أول فيلسوف جمالي.