ولا شك في أن تلك الصورة اللفظية تحمل ما بداخل الأديب من مشاعر وأحاسيس، وتنقلها إلى المتلقي؛ فتنعكس على نفسه بشكل ما. وكل تغيير في الصورة اللفظية، ونظام ترتيبها يؤثر بالطبع في صورتها التي ينقلها التعبير إلى المتلقي، ويؤثر تبعًا لذلك في طبيعة الأثر النفسي والشعوري، وفي نوعه، ودرجته؛ لأن وظيفة التعبير في الأدب لا تنتهي عند الدلالة المعنوية للألفاظ والعبارات، بل هناك مؤثرات أخرى يكمل بها الأداء الفني، وهي جزء أصيل من التعبير الأدبي، كالإيقاع مثلًا، والتصوير، وطريقة عرض الأسلوب.

وكل هذه المؤثرات تحمل كما من المشاعر والأحاسيس؛ فهي ليست قيم تعبيرية مجردة من المشاعر، ولكن الخيال يتأثر بها، والشعور يتملاها. فلو أخذنا اللفظ مثلًا كمؤثر من ضمن هذه المؤثرات، نجد أنه حين النطق به أو سماعه يثير في ذاكرتنا صورًا من الأحاسيس التي تختلج بها النفس، ولا نستطيع أن نجرد معناه من تلك الملابسات والمشاعر النفسية التي صاحبته، ولا يمكننا إطلاقا بأي حال من الأحوال أن نجرد اللفظ من تلك الملابسات النفسية والشعورية، فكل لفظ له مدلول ذهني مجرد، ومدلول شعوري يشمل هذا المدلول الذهني، ويضيف إليه تلك الذكريات الغامضة والواضحة. والمدلول الذهني التجريدي ثابت لا يتغير على مدى الزمان.

أما المدلول الشعوري: فيتغير، ويكتسب ملابسات شعورية جديدة باختلاف المواقف والأزمنة. فإذا ما تركنا الألفاظ إلى العبارات، وأخذنا الصورة مثلًا؛ لبيان علاقتها بالنفس، وتأثيرها في الحس والشعور، نجد أنها تفوق اللفظ في الإيحاء النفسي؛ فهي تحمل نفس المعنيين الذين يحملهما اللفظ: المعنى الذهني المجرد، والشعوري النفسي، ولكن بصورة أكثر شمولية وعمقا؛ فاللفظ لا يعطي دلالة شعورية كاملة إلا في نسق معين، هو ما يسمى: بالصورة الإيحائية التي تفيض بالمشاعر، والأحاسيس النفسية التي تعجز الألفاظ وحدها عن كشفها، ونقلها إلى المتلقي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015