التاريخي، رغم أنها كانت محاولة مبتدأة منه، إلا أنه كان أكثر توفيقًا من نقاد الغرب، حيث لم يقتصر على المنهج التاريخي وحده في بحثه، كما سبق أن بينا.
لم يكن ابن سلام وحده الذي اهتدى إلى المنهج التاريخي في كتابه، ولكن أدعوك إلى تأمل هذه الفقرة، التي ذكرها ابن قتيبة في بداية كتاب (الشعر والشعراء)، فهو يقول: هذا كتاب ألفته في الشعراء، أخبرت فيه عن الشعراء وأزمانهم، وأقدارهم، وأحوالهم في أشعارهم وقبائلهم، وأسماء آباءهم، ومن كان يعرف باللقب أو بالكنية منهم، وعما يستحسن من أخبار الرجل، ويستجاد من شعره، وما سبق إليه المتقدمون، فأخذه عنهم المتأخرون.
هذا كلام الرجل لو تأملناه، لوجدنا أن كل ما دعى إليه ابن قتيبة من صميم المنهج التاريخي، مما يؤكد لنا، أنه أدرك قيمة هذا المنهج، وعرف أصله وسار عليه، وليس معنى ذلك أننا ننكر فضل الغربيين، أو نقلل من شأنهم، وإنما نرجع الفضل للسابق لسبقه وابتكاره، وللاحق بتنظيمه وتقنينه وإيجاد المصطلح.
هذا بالنسبة للدراسات القديمة، وعلاقتها بالمنهج التاريخي في البيئة العربية، وكما لاحظت أن العرب قد عرفوا أصول هذا المنهج، وإن غاب عنهم المصطلح، أما عن موقف الدراسات الأدبية في العصر الحديث، من المنهج التاريخي، فإن أقدم كتاب تناول الأدب بالدرس على أساس هذا المنهج، هو كتاب (تاريخ آداب اللغة العربية) لحسن توفيق العدل.
الذي تخرج في دار العلوم، ثم سافر إلى ألمانيا؛ لتدريس اللغة العربية في المدرسة الشرقية ببرلين، فهو أول من وضع نظرية الربط بين الأدب والعصور السياسية، وقسم الأدب العربي إلى عصور معروفة: جاهلية، وإسلامية، وأموية، وعباسية، وأندلسية، ودول متتابعة ناظرًا في تقسيمه هذا إلى التاريخ السياسي والديني.