الخصائص ما يميزه عن غيره من الآداب، ولو فتشنا في النماذج، التي يحاكي فيها الأدباء الأدب القديم، كالمعارضة، والتقليد، ويتفقون معه في كثير من الخصائص، لرأينا أثر البيئة التي يعشونها واضحًا جليًّا، وأن محاكاتهم للأدب القديم، لا تلغي تأثرهم بتلك البيئة.
يعني: لو أن شاعرًا من العصر الحديث، عارض شاعرًا من العصر العباسي، كالمتنبي أو البحتري مثلًا، وبرع في المعارضة من الناحية الفنية، هل نعدم أثر البيئة، التي عاش الشاعر فيها البيئة الحديثة، هل نعدم أثرها في هذا الفن الأدبي لا، لو تأملنا ودققنا وحللنا تحليلًا فنيًّا جيدًا، لتكشفت لنا ملامح البيئة التي يعيشها ذلك الشاعر في هذه النماذج، التي يحاكي أو يعارض، أو يقلد بها ذلك الشاعر العباسي.
ورغم ذلك كله، فإننا ينبغي أن نطبق قانون البيئة في بحوثنا الأدبية، بحذر شديد عند الاحتياج إليه، هذا بالنسبة للرائد الثاني من رواد المنهج التاريخي، وهو هيبولاي تين، وتلك رؤيته التي كشف عنها، أما ثالث رواد هذا المنهج وهو برونت يير، صاحب نظرية تطور الأنواع الأدبية في الأدب والنقد، إذ حاول في كتابه (أصل الأنواع)، ألف كتابًا بعنوان (أصل الأنواع)، حاول في هذا الكتاب أن يمهد لتطبيق نظرية دارون، عن علم الأحياء المسماة بنظرية النشوء والارتقاء، وهي نظرية مشهورة ومعروفة.
واقتفى برونت يير أثر سبنسر، الذي طبقها على علم الأخلاق والاجتماع يعني: قلد سبنسر الذي طبق هذه النظرية -نظرية النشوء والارتقاء-، قلد برنت يير سبنسر في تطبيقها على الأخلاق والاجتماع، وطبقها هو أيضًا على الأدب.
وفي سبيل هذا -في سبيل تحقيق ذلك- كتب برونت يير كتابًا سماه (تطور الأنواع الأدبية)، وقسم فيه الأدب إلى فصائل، كفصائل الكائنات الحية الخاضعة للتطور