بحوثنا الأدبية، فإنها تحول الأدب إلى قواعد جامدة، فالفن الأدبي عند هؤلاء مهما لحقه من تطور، لا يخرج عن كونه فنًّا، يخضع في المقام الأول لذوق الباحث والناقد، وتأثره ونبضه وشعوره، ولا يمكن إخضاع ذلك لقانون ثابت، كقوانين العلوم التجريبية، وكان لهؤلاء منهجهم الواضح في البحث الأدبي، وهو منهج يقوم على تفسير العمل الأدبي، وتحليله من خلال عناصره المعروفة: الخيال، والعاطفة، والفكرة، والأسلوب.
من هنا كانت تعدد المناهج في مجال البحث الأدبي، فرأينا المنهج التاريخي، والمنهج النفسي، والمنهج الفني، والمنهج المتكامل، كلها تعبر عن وجهات أصحابها، وتصور تلك الحركة العلمية النشطة في ذلك الوقت، وهكذا يتضح لنا من الحديث السابق، أن مناهج البحث الأدبي في العصر الحديث متشعبة تشعبًا لا حد له، وأن الباحث مطالب حتمًا باستكمال أدواته المعرفية، من خلال الاطلاع على علم المناهج الحديثة؛ لمعرفة آخر ما وصل إليه العلم في هذا المجال، والوقوف على أصحها، وأنسبها، وهو علم متطور دائمًا بتطور العلوم التاريخية والاجتماعية والنفسية، وبقية العلوم الإنسانية الأخرى.
وجدير بالذكر أنه لا يصح الاعتماد على منهج واحد، في مجال البحث الأدبي، بل لا بد من توظيف هذه المناهج كلها، حتى تكون النتائج دقيقة مثمرة؛ لأن الأدب نتاج بشري معقد، والعنصر البشري يؤثر ويتأثر بكل ما يحيط به، فمن اللازم أن يحيط الباحث في الأدب بكل هذه المؤثرات، بيئية كانت أم غير بيئية، كما أنه من الخير للأدب أن نأخذ بكل هذه المناهج، ونحاول الإفادة منها، ونحن نبحث في الأدب، فبذلك نربط الأدب بالحياة في تطورها، وهذا ما ينبغي أن يكون، إذ لا يليق بالباحث الأدبي، أو الأديب عمومًا أن يعيش بمعزل عن عالمه، بما فيه من حركة تطورية ناهضة.
بهذا العرض السريع الموجز، نكون قد انتهينا من الحديث عن نشأة المناهج البحثية الحديثة في مجال الأدب، تعرفنا من خلاله على مفهوم المنهج، وأهميته في مجال البحث العلمي، ثم أشرنا إلى نشأته وتطوره، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.