وفي بداية القرن التاسع عشر، شهد الشرق العربي تتطورًا ملحوظًا في شتى مجالات الحياة: السياسية، والاجتماعية، والأدبية، والفكرية بوجه عام، وقوي اتصال الشرق بالغرب، وازدهرت الحركة العلمية والفكرية، وتعمقت الصلة بين الأدب والعلوم الأخرى، وامتزج الأدب بهذه العلوم امتزاجًا لا ينكر هذه حقيقة؛ لدرجة أننا أصبحنا أمام ألوان من الإبداع الفكري المعقد، لا يمكن استكشاف عوالمه اعتمادًا على القيم الفنية المجردة، التي كان يعتمد عليها الباحثون في القديم، ويعدونها أسًّا مهمًّا من أسس البحث العلمي، أو الأدبي.
أضف إلى ذلك ما رأيناه من صراع شديد بين العلوم، والفنون في ابتكار الأنظمة، والقوانين التي تحكم كل علم أو فن، هذه حقيقة نلمسها جميعًا، ثورة علمية في شتى المجالات، وهناك تسابق، هناك صراع شديد بين العلوم جميعها، والفنون جميعها في محاولة ابتكار الأنظمة، والمقاييس والمعايير، التي تحكم كل فن، ويحتكم إليها الباحثون في هذا المجال، ولا ننسى ونحن نتحدث في هذا السياق.
ولا ننسى استقرار الحياة الجامعية في عالمنا العربي، وتأصل تقاليدها، ومقوماتها العلمية في مجال البحث، بصورة منهجية دقيقة، لا ننسى ذلك اهتمت الجامعات بهذه المناهج؛ من أجل الكشف عن مناطق جديدة في عالم المعرفة، الذي لا حدود له، هذا أيضًا واضح أمامنا على مستوى الجامعات في العالم العربي أجمع، من أجل ذلك كان لازمًا على القائمين بالبحث الأدبي التنبه لهذا التطور، والوقوف على المناهج العلمية الجديدة في مجال البحث العلمي، والأدبي خاصة؛ للتعامل مع الأدب الجديد، والكشف عن خصائصه.
نعم وجد العلماء الذين يبحثون في الأدب أنفسهم، أمام نماذج أدبية معقدة لو أنهم اعتمدوا على الخصائص الفنية الموجودة في الأدب وحدها، لم يستطيعوا الكشف عن حقيقة ذلك الأدب، وسبب تعقيدها أنها امتزجت بالعلوم الأخرى،