كالإشراق بعد الظلام. وقد يَعزُب البيان، ويَعتَقِمُ الصَّوابُ، وإنما اللسان مُضْغَةٌ من الإنسان، يَفْتُر بفتوره إذا نَكَل، ويثوب بانبساطه إذا ارتجل. ألا وإنَّا لا ننطِق بَطَرًا، ولا نَسكتُ حَصَرًا، بل نسكت معتبرين، وننطِقُ مرشِدين، ونحن بعد ذلك أُمَرَاءُ القولِ، فينَا وَشَجَت أعراقُه، وعلينا عَطَفَتْ أغصانُه، ولنا تهَدَّلتْ ثمرتُه، فنتخيَّرُ منه ما احْلَوْلَى وعَذُب، ونَطِّرِحُ منه ما امْلَوْلَح وخَبُثَ، ومِنْ بعدِ مقامِنا هذا مَقام، ومِنْ بعد يومنا أيام". فبذلك كان في إرتاجه أبلغَ منه في ارتجاله، ولولا أن هذه المعاني كانت حاضرةً في ذهنه حتى صار بها خطيبًا في بيان أحوال الخطيب لسكت وحُبِسَ لسانُه.

ولا بد للخطيب من التنبُّه إلى مواقع النقد والاعتراض، وهي الأشياء التي يظنُّ أنَّ في السامعين من ينكرها؛ لمخالفة اعتقادٍ أو مخالفة هوى، فيَعُدُّ ذِهْنَه للجواب عنها، وقد قيل: إنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان قد أعدَّ لكل حادثةٍ جوابًا. وسيأتي بيانٌ لذلك في الكلام على الخطيب.

وأما كيفية الإيضاح والتعبير فقد قال أبو هلال العسكري: "الرسائل والخطب مُتشَاكِلَتَان في أنهما كلامٌ لا يلحقه وَزْنٌ ولا تَقْفِيَة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015