مناسبة الكلام للغرض في الجزالة والرقة والبساطةوالصنعة

من أحوال الألفاظ المركبة، وإن كان ذلك لا ينحصِر، ولكن لتحصيل أُنْمُوذَجٍ منه للمتعلِّم، وعلى المدرِّس أن يأتي لكلِّ صِنْفٍ منها بمثالٍ من المُنْشَآت، ليحترز عن الغلط في وضع بعض هاته الفنون في غير ما يليق به من الأغراض، فإنَّ مَنْ عَكَف على بعض هاته الفنون، وارتَسَم حَدُّهُ في ذهنه لم يكد يعدُوه إلى غيره، فربما وَضَعَه في غير ما يحسُن وضعُه فيه، مع أنَّ الواجب الأخذُ من كلِّ فَنٍّ والاطلاعُ على جميعها، وبيان ذلك:

أنَّ الرِّقَّة والصَّنْعَة تُسْتَحْسَنان في الأغراض الهَزَليَّة، والتَّهَاني، والمقامات، والمواعظ الترغيبيَّة، ومخاطَبات الأصدقاء في المودَّة ونحوها. والجَزَالة وما يقرُب منها تُستحسَن في المراثي، والتَّرْهِيبات، والحروب، والمخاطَبات مِن العظماء، والأدعية، والتآليف العِلْمية. والسَّجْع يحسُن وَقْعُه في المقامات، والتَّهَاني، والوِدَادِيَّات، والغَرَاميَّات، لِقُرْبِه من الشِّعْر وديباجات التآليف، ومقدمات التَّحْلية في المخاطَبات والأمثال والحِكَم؛ لأنَّ المراد تعلُّقها بالحِفْظ، والسَّجْعُ يُعين على ذلك مثل النظم. والتَّرَسُّل يحسُن في الأدعية، والخُطَب، والمواعظ، والعِلْميات، والتاريخ، والتَّراجِم، ومخاطَبات العموم، والمراسلات الدَّوْلية، والصُّكوك والشروط ونحوها. ومتى وُضِع فَنٌّ من فنون أحوال الألفاظ المركَّبة في غير موضعِه المناسب جاء سَمِجًا، كما ترى مِنْ سَمَاجة خُطَب الخطباء المنتحَلَة مِنْ خطب الشيخ ابن نُبَاتة ونحوه، مع أنَّ المخاطَب بها العمومُ الذين لا يتَفَطَّنون لِمَا أَكَدَّ الخطيبُ فيه ذِهْنَه، وكما ترى مِنْ ثِقَل (التاريخ اليميني) للكاتب أبي نصر العتبي، فإنه أودعه من السَّجْع ومحاسن الصَّنْعَة ما كان بعيدًا عن أن يُودَع في تاريخ الحوادث، وكذلك كتب التراجم، مثل: الرَّيْحَانة للخَفَاجي، التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015