من سُوء رأيته بك، إنما هو لِقِلَّةِ المعرفة, ويقال: إن السوء البَرَص, قال الله جل ثناؤه: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: 12] أي من غير برص وقولهم: "أَشْغَلُ من ذات النَّحْيَيْن" هي من تيم الله بن ثعلبة، وكانت تبيع السمن في الجاهلية، فَأَتَى خوات بن جبير الأنصاري يبتاع منها سمناً، ولم يَرَ عندها أحداً، فساومها نِحْيًا مَمْلُوَّا، فنظر إليه ثم قال لها: أمسكيه حتى أنظر إلى غيره, فقالت: حُلَّ نِحْيًا آخر, ففعل، ونظر إليه، فقال: أريد غير هذا، فأمسكي هذا، فأمسكته فلما شغل يديها سَاوَرَها، فلم تقدر على دفعه عنها حتى فعل ما أراد وهرب, وقال:
وذات عيال واثقين بعقلها ... خَلَجت لها جار استها خَلَجات
شَدَدت يَدَيها إذا أردت خِلَاجَهَا ... بِنِحيين من سمن ذوي عجرات
فكان لها الويلات من ترك سمنها ... وَرَجعتها صفراً بغير بَتَاتِ
فشدت على النَّحْيِيْن كفاً شحيحة ... على سمنها والفتك من فعلاتي
فأخرجته ريان ينطف رأسه ... من الرامك المدموم بالثفراتِ
ثم أَسْلَمَ خوات وشهد بدراً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا خوَّات كيف شِرَؤُك؟ " وتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، قد رزق الله خيراً، وأعوذ بالله من الحور بعد الكور, فهجا رجل بني تيم الله، فقال:
أناس ربة النِّحْيين منهم ... فعدوها إذا عد الصميم
وقولهم: "أحمق من جهيزة"، وهي أم شبيب الخارجي بن زيد بن نعيم بن قيس بن عمرو الصلت بن قيس بن شراحيل بن مرة بن همام بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل, وكان أبو شبيب من مهاجرة الكوفة، فغزا سلمانُ بن ربيعة الباهلي في سنة خمس وعشرين، فأتوا الشام، فأغاروا على بلاد فأصابوا سبياً وغنموا، وأبو شبيب في ذلك الجيش، فاشترى جارية من ذلك السبي حمراء طويلة جميلة، فقال لها: أسلمي, فأبت، فضربها فلم تُسلم، فواقعها فحملت، فتحرك الولد في بطنها، فقالت: في بطني شيء ينقز، فقيل: "أحمق من جهيزة"، ثم أسلمت فولدت شبيباً سنة ست وعشرين يوم النحر، فقالت لمولاها: إني رأيت قبل ألد كأني ولدت غلاماً، فخرج مني شهابُ من نار، فسطع بين السماء والأرض، ثم سقط في ماء فخبا، وولدته في يوم هريقت فيه الدماء، وقد زجرت أن