المجتمعات التي تسود فيها القيم والأخلاق والنزعات الحيوانية، لا يمكن أن تكون مجتمعات متحضرة، مهما تبلغ من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي! إن هذا المقياس لا يخطئ في قياس مدى التقدم في الإنسان ذاته.

وفي المجتمعات الجاهلية الحديثة ينحسر المفهوم الأخلاقي بحيث يتخلى عن كل ما له علاقة بالتميز الإنساني عن الحيوان. ففي هذه المجتمعات لا تعتبر العلاقات الجنسية غير الشرعية - ولا حتى العلاقات الجنسية الشاذة - رذيلة أخلاقية! إن المفهوم «الأخلاقي» ينحصر في المعاملات الشخصية والاقتصادية والسياسية - أحيانا في حدود مصلحة الدولة! - والكتاب والصحفيون والروائيون وكل أجهزة التوجيه والإعلام في هذه المجتمعات الجاهلية تقولها صريحة للفتيات والزوجات والفتيان والشبان: إن الاتصالات الجنسية الحرة ليست رذائل أخلاقية! مثل هذه المجتمعات مجتمعات متخلفة غير متحضرة - من وجهة النظر «الإنسانية». وبمقياس خط التقدم الإنساني .. وهي كذلك غير إسلامية .. لأن خط الإسلام هو خط تحرير الإنسان من شهواته، وتنمية خصائصه الإنسانية، وتغلبها على نزعاته الحيوانية ..

ولا نملك أن نمضي أكثر من هذا في وصف المجتمعات البشرية الحاضرة، وإغراقها في الجاهلية .. من العقيدة إلى الخلق. ومن التصور إلى أوضاع الحياة .. ونحسب أن هذه الإشارات المجملة تكفي لتقرير ملامح الجاهلية في المجتمعات البشرية الحاضرة. ولتقرير حقيقة ما تستهدفه الدعوة الإسلامية اليوم وما يستهدفه الدعاة إلى دين اللّه .. إنها دعوة البشرية من جديد إلى الدخول في الإسلام: عقيدة وخلقا ونظاما .. إنها ذات المحاولة التي كان يتصدى لها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وإنها ذات النقطة التي بدأ منها دعوته أول مرة. وإنه ذات الموقف الذي وقفه بهذا الكتاب الذي أنزل إليه وربه - سبحانه - يخاطبه: «كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ»

وفي الوقت الذي وجه اللّه - سبحانه - هذا التكليف إلى رسوله، وجه إلى قومه المخاطبين بهذا القرآن أول مرة - وإلى كل قوم يواجههم الإسلام ليخرجهم من الجاهلية - الأمر باتباع ما أنزل في هذا الكتاب، والنهي عن اتباع الأولياء من دون اللّه. ذلك أن القضية في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015