صميمها هي قضية «الاتباع» .. من يتبع البشر في حياتهم؟ يتبعون أمر اللّه فهم مسلمون. أم يتبعون أمر غيره فهم مشركون؟

إنهما موقفان مختلفان لا يجتمعان: «اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ. قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ».

هذه هي قضية هذا الدين الأساسية .. إنه إما اتباع لما أنزل اللّه فهو الإسلام للّه، والاعتراف له بالربوبية، وإفراده بالحاكمية التي تأمر فتطاع، ويتبع أمرها ونهيها دون سواه .. وإما اتباع للأولياء من دونه فهو الشرك، وهو رفض الاعتراف للّه بالربوبية الخالصة .. وكيف والحاكمية ليست خالصة له سبحانه؟! وفي الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - كان الكتاب منزلا إليه بشخصه: «كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ» ..

وفي الخطاب للبشر كان الكتاب كذلك منزلا إليهم من ربهم: «اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» .. فأما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالكتاب منزل إليه ليؤمن به ولينذر ويذكر. وأما البشر فالكتاب منزل إليهم من ربهم ليؤمنوا به ويتبعوه، ولا يتبعوا أمر أحد غيره .. والإسناد في كلتا الحالتين للاختصاص والتكريم والتحضيض والاستجاشة. فالذي ينزل له ربه كتابا، ويختاره لهذا الأمر، ويتفضل عليه بهذا الخير، جدير بأن يتذكر وأن يشكر وأن يأخذ الأمر بقوة ولا يستحسر ..

ولأن المحاولة ضخمة .. وهي تعني التغيير الأساسي الكامل الشامل للجاهلية: تصوراتها وأفكارها، وقيمها وأخلاقها، وعاداتها وتقاليدها، ونظمها، وأوضاعها، واجتماعها واقتصادها، وروابطها باللّه، وبالكون، وبالناس .. (?)

ونحس من النهي عن اتخاذ أولياء منهم .. أنه كانت ما تزال للروابط والوشائج العائلية والقبلية بقايا في نفوس المسلمين في المدينة - وربما كان للمصالح الاقتصادية أيضا - وكان المنهج القرآني يعالج هذه الرواسب ويقرر للأمة المسلمة قواعد ارتباطاتها. كما يقرر قواعد تصورها في الوقت ذاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015