فإن هذا المجتمع يكون مجتمعا رجعيا متخلفا .. أو بالاصطلاح الإسلامي: مجتمعا جاهليا مشركا ..

إن المجتمع الرباني المسلم لا يحتقر المادة لا في صورة «النظرية» باعتبار المادة هي التي تؤلف كيان هذا الكون الذي نعيش فيه ولا في صورة «الإنتاج المادي» والاستمتاع به. فالإنتاج المادي من مقومات خلافة الإنسان في الأرض بعهد اللّه وشرطه والاستمتاع بالطيبات منها حلال يدعو الإسلام إليه - كما سنرى في سياق هذه السورة - ولكنه لا يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص «الإنسان» ومقوماته! كما تعتبرها المجتمعات الجاهلية .. الملحدة أو المشركة ..

وحين تكون القيم «الإنسانية» والأخلاق «الإنسانية» - كما هي في ميزان اللّه - هي السائدة في مجتمع، فإن هذا المجتمع يكون متحضرا متقدما .. أو بالاصطلاح الإسلامي .. ربانيا مسلما .. والقيم «الإنسانية» والأخلاق «الإنسانية» ليست مسألة غامضة ولا مائعة وليست كذلك قيما وأخلاقا متغيرة لا تستقر على حال - كما يزعم الذين يريدون أن يشيعوا الفوضى في الموازين، فلا يبقى هنا لك أصل ثابت يرجع إليه في وزن ولا تقييم .. إنها القيم والأخلاق التي تنمي في الإنسان «خصائص الإنسان» التي ينفرد بها دون الحيوان. وتغلب فيه هذا الجانب الذي يميزه ويجعل منه إنسانا. وليست هي القيم والأخلاق التي تنمي فيه الجوانب المشتركة بينه وبين الحيوان .. وحين توضع المسألة هذا الوضع يبرز فيها خط فاصل وحاسم وثابت، لا يقبل عملية التمييع المستمرة التي يحاولها «التطوريون»! عندئذ لا تكون هناك أخلاق زراعية وأخرى صناعية. ولا أخلاق رأسمالية وأخرى اشتراكية. ولا أخلاق صعلوكية وأخرى برجوازية! لا تكون هناك أخلاق من صنع البيئة ومن مستوى المعيشة، على اعتبار أن هذه العوامل مستقلة في صنع القيم والأخلاق والاصطلاح عليها، وحتمية في نشأتها وتقريرها .. إنما تكون هناك فقط «قيم وأخلاق إنسانية» يصطلح عليها المسلمون في المجتمع المتحضر. «وقيم وأخلاق حيوانية» - إذا صح هذا التعبير - يصطلح عليها الناس في المجتمع المتخلف .. أو بالاصطلاح الإسلامي تكون هناك قيم وأخلاق ربانية إسلامية وقيم وأخلاق رجعية جاهلية! إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015