والثقة برحمته في كل آن ويزيدانهم صحة في المجتمع بسيادة شريعة اللّه الصالحة التي تطلق الناس أحرارا كراما لا يدينون لغير اللّه على قدم المساواة بينهم أمام قهار واحد تعنو له الجباه .. كما تطلقان طاقات الناس ليعملوا وينتجوا ويؤدوا تكاليف الخلافة في الأرض غير مشغولين ولا مسخرين بمراسم التأليه للأرباب الأرضية وإطلاق البخور حولها ودق الطبول، والنفخ فيها ليل نهار لتملأ فراغ الإله الحق في فطرة البشر!
والملحوظ دائما أن الأرباب الأرضية تحتاج ويحتاج معها سدنتها وعبادها أن يخلعوا عليها بعض صفات الألوهية من القدرة والعلم والإحاطة والقهر والرحمة .. أحيانا .. كل ذلك ليدين لها الناس! فالربوبية تحتاج إلى ألوهية معها تخضع بها العباد!
وهذا كله يحتاج إلى كد ناصب من السدنة والعبّاد وإلى جهد ينفقه من يدينون للّه وحده في عمارة الأرض والنهوض بتكاليف الخلافة فيها، بدلا من أن ينفقه عبّاد الأرباب الأرضية في الطبل والزمر والتراتيل والتسابيح لهذه الأرباب المفتراة!
ولقد تتوافر القوة لمن لا يحكّمون شريعة اللّه في قلوبهم ولا في مجتمعهم، ولكنها قوة إلى حين. حتى تنتهي الأمور إلى نهايتها الطبيعية وفق سنة اللّه، وتتحطم هذه القوة التي لم تستند إلى أساس ركين. إنما استندت إلى جانب واحد من السنن الكونية كالعمل والنظام ووفرة الإنتاج. وهذه وحدها لا تدوم. لأن فساد الحياة الشعورية والاجتماعية يقضي عليها بعد حين.
فأما إرسال المطر. مدرارا. فالظاهر للبشر أنه يجري وفق سنن طبيعية ثابتة في النظام الكوني. ولكن جريان السنن الطبيعية لا يمنع أن يكون المطر محييا في مكان وزمان، ومدمرا في مكان وزمان وأن يكون من قدر اللّه أن تكون الحياة مع المطر لقوم، وأن يكون الدمار معه لقوم، وأن ينفذ اللّه تبشيره بالخير ووعيده بالشر عن طريق توجيه العوامل الطبيعية فهو خالق هذه العوامل، وجاعل الأسباب لتحقيق سنته على كل حال. ثم تبقى وراء ذلك مشيئة اللّه الطليقة التي تصرف الأسباب والظواهر بغير ما اعتاد الناس من ظواهر النواميس وذلك لتحقيق قدر اللّه كيفما شاء. حيث شاء. بالحق الذي يحكم كل شيء في السماوات والأرض غير مقيد بما عهده الناس في الغالب.