مفترون فيما تعبدونه من دون اللّه، وفيما تدعونه من شركاء للّه.

ويبادر هود ليوضح لقومه أنها دعوة خالصة ونصيحة ممحضة، فليس له من ورائها هدف. وما يطلب على النصح والهداية أجرا. إنما أجره على اللّه الذي خلقه فهو به كفيل: «يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ؟».

مما يشعر أن قوله: «لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» كان بناء على اتهام له أو تلميح بأنه يبتغي أجرا أو كسب مال من وراء الدعوة التي يدعوها. وكان التعقيب: «أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» للتعجيب من أمرهم وهم يتصورون أن رسولا من عند اللّه يطلب رزقا من البشر، واللّه الذي أرسله هو الرزاق الذي يقوّت هؤلاء الفقراء! ثم يوجههم إلى الاستغفار والتوبة. ويكرر السياق التعبير ذاته الذي ورد في أول السورة على لسان خاتم الأنبياء، ويعدهم هود ويحذرهم ما وعدهم محمد وحذرهم بعد ذلك بآلاف السنين:

«وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ. وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ» ..

استغفروا ربكم مما أنتم فيه، وتوبوا إليه فابدأوا طريقا جديدا يحقق النية ويترجمها إلى عمل يصدق النية ..

«يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» .. وكانوا في حاجة إلى المطر يسقون به زروعهم ودوابهم في الصحراء، ويحتفظون به بالخصب الناشئ من هطول الأمطار في تلك البقاع.

«وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ» .. هذه القوة التي عرفتم بها ..

«وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ» .. مرتكبين لجريمة التولي والتكذيب.

وننظر في هذا الوعد. وهو يتعلق بإدرار المطر ومضاعفة القوة. وهي أمور تجري فيها سنة اللّه وفق قوانين ثابتة في نظام هذا الوجود، من صنع اللّه ومشيئته بطبيعة الحال. فما علاقة الاستغفار بها وما علاقة التوبة؟

فأما زيادة القوة فالأمر فيها قريب ميسور، بل واقع مشهود، فإن نظافة القلب والعمل الصالح في الأرض يزيدان التائبين العاملين قوة. يزيدانهم صحة في الجسم بالاعتدال والاقتصار على الطيبات من الرزق وراحة الضمير وهدوء الأعصاب والاطمئنان إلى اللّه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015