بلغ القمة في عالم الفضائل، حتى ليدفعها ذلك الإعجاب إلى التفكير في الاقتران به. وسواء توسلت إلى هذه الأمنية الغالية بعرض أمرها عليه مباشرة –كرواية ابن إسحاق1- أو بوساطة المرأة الحكيمة نفيسة بنت علية2 أو عن طريق أخت لخديجة في إحدى الروايات، فقد أتم الله ذلك القران السعيد الذي عم ببركته لا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب بل العالم الإسلامي بأجمعه حتى تقوم الساعة.

وإلى هنا والخبر طبيعي ومعقول، ولكن التوقف إنما يتأتى عند بقيته، حيث نرى خديجة رضي الله عنها مشغولة الذهن بموضوع الغمامة والملائكة وخبر النبوة، حتى لا تتمالك أن تقصد إلى ذلك الرجل الحكيم العليم ورقة بن نوفل لتتعرف تأويل تلك الظواهر، فتسمع منه البشرى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك باعثها الفعال على طلب الزواج منه.

وبقليل من التأمل في مسيرة هذا الجزء من الرواية يتضح لك اضطرابه هو الآخر ذلك أن خبرا كهذه تسمعه خديجة من ميسرة ثم من ورقة من حقه أن يصل إلى محمد صلى الله عليه وسلم عقب زواجه أو خلال الخمس عشرة سنة التي سبقت الوحي، وهذا ما ترفضه الوقائع، التي تؤكد أن محمدا وخديجة كليهما كانا سواء في خلو ذهنيهما من أمر الوحي، إذ فاجأة على غير انتظار، وفاجأها به في جو من الورع المهيب، فلم تجد ما تقوله له سوى التذكير بفضائله التي لا يقاربها الشيطان.. وحسبنا دليلا حاسما على خلو ذهنه صلى الله عليه وسلم من موضوع النبوة كليا قول ربه له تبارك اسمه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ ... } (الشورى آية 52) وهو توكيد حازم لما سبق من قوله الآخر سبحانه في سورة الضحى {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ففي كلتا الآيتين تصوير عميق الدلالة على الوضع النفسي الذي كان يلابس محمدا صلى الله عليه وسلم قبل الوحي، فهو في حيرة لا يعرف السبيل إلى جلائها، فلا فكرة لديه عن رسالات الله، ولا يعرف من الإيمان سوى التوحيد الفطري الذي ينطق به كل شيء في هذا الكون، إلى أن فاجأه الزائر العظيم في أحضان حراء..

ومن هذا كله نجد أنفسنا تلقاء أمرين: أحدهما الشك في خبر الراهب النصراني عن الغمام والملائكة والشجرة التي ما نزل تحتها قط إلا نبي3 والثاني أن يكون اتصال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015