بها، كما فوجئ بها محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، الذي ناء تحت ثقله أول الأمر، ثم لم يطمئن قلبه إليها إلا بعد أن ثبته الله بلطفه، وبما يسر له من عون الزوج العظيمة خديجة.
ونظرة أخيرة إلى خاتمة القصة تكشف لك واحدة أخرى من المشكلات التي لا تجد لها حلا. إذ المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في الثانية عشرة، يكبر صديقه أبا بكر بما يقارب الثلاث من السنوات، إذ كان ما بين التاسعة والعاشرة، ولم تذكر له السيرة أي صلة ببلال، الذي كان في رق أمية بن خلف حتى يوم انتقاله إلى الملك الصديق في أوائل سني البعثة.. فكيف كبر الصديق حتى قام بمسئولية الحماية لمحمد؟.. وكيف أفلت بلال من رق أمية ودخل سلطان الصديق؟.. وكيف ارتفعت سنه بغتة صار قادرا على القيام بهذه المهمة؟.. ومن أين جاء اسم الكعك إلى القصة وهو لفظ لعله لم يتطرق إلى العربية إلا بعد الفتح الإسلامي؟.
وهذه الحيرة التي تراودك بازاء القصة قد سبقنا إليها عدد من رجال الحديث الذين لم يستطيعون ردها تهيبا لسنده، ولكنهم لم يكتموا رأيهم بأن من حملها إنما حملها لغرابتها مع التوكيد على انفراد راويها الأخير بها، حتى أن ابن إسحاق نفسه لم يستطع عرضها إلا في صيغة ((الزعم التي تنم عن منتهى الشك)) 1 وكذلك فعل ابن كثير حين وجه إليها نقدا يوشك أن يكون ردا للرواية بأسرها، ومثله صنع الزرقاني في شرحه على المواهب إذ نقل تضعيف الذهبي للخبر2 كما فعل البيهقي بقوله نقلا عن أحدهم: "ليس في الدنيا مخلوق يحدث به غير قراد"3.
وننتقل الآن إلى القسم الثاني:
لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارة خديجة وهو في الخامسة والعشرين من سنيه، وكان رفيقه في هذه الرحلة ميسرة غلامها، ولابد أنها استغرقت طويلا من الزمن، وبذلك أتيح لمسيرة وهو العاقل الفهم –كما يلوح من خلال الرواية- أن يشهد من خلائق محمد وسمو تصرفاته أثنائذ ما يدفعه إلى الحديث عنهما لكل من يتصل به وبخاصة مولاته خديجة، التي لابد أنها أصغت إلى روايته تلك بإعجاب الكريم الفاضل يسمع أنباء إنسان