الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا استمرار لتعليقاتنا العلمية الموجزة على بعض أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم.
صح عنه صلى الله عليه وسلم -فيما أخرجه أبو داود في السنن- أنه قال: (المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)، هذا نص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما كلمة (المهدي) فهي وصف وليست اسماً، أي: وصف لهذا الرجل الذي سيخرج، وليست اسماً له، وجاء في بعض الأحاديث ذكر اسمه، حيث قال عليه الصلاة والسلام عنه: (يواطئ اسمه اسمي) أي أن اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم (محمد)، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم (عبد الله).
قوله عليه الصلاة والسلام: (مني) أي: من ذريتي، ومعلوم أن هناك ما يعرف بـ (آل البيت)، لكن (آل البيت) كلمة أوسع ووصف أعم من قوله عليه الصلاة والسلام: (مني)؛ لأن (آل البيت) يدخل فيها كل من يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده هاشم، فيدخل فيها آل عقيل، وآل جعفر، وأبناء علي من غير فاطمة، فهؤلاء كلهم يجتمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده هاشم، فيسمون آل البيت وتحرم عليهم الصدقة، كما يدخل فيهم حلفاً آل المطلب، والمطلب هذا أخ لـ هاشم، وكانت ذريته مع النبي صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب لما حاصرته قريش، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد.
وشبك بين أصبعيه)، فأدخل جمهور العلماء -بناء على هذا الحديث؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم من الخمس كما أعطى آل البيت- أدخلوا آل المطلب في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا عام.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (مني) أي: من ذريتي، أي: من ذريته عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن النبي عليه السلام لم يُخَلِف ذكوراً، بل خلف ذكرين ماتا في حياته، فانقطع بذلك النسب الذي ينتسب إليه من جهة أولاده الذكور، وبقي له من الإناث أربع: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، فأما رقية وأم كلثوم فتزوجهما عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأم كلثوم لم تنجب من عثمان أحداً، وأما رقية فأنجبت غلاماً فمكث حوالي ست سنين ثم مات، حيث نقره ديك في وجهه فانتفخ ثم مات، وأما زينب فولدت أمامة من أبي العاص بن الربيع زوجها، ثم ماتت دون أن تخلف، فلم يبق إلا فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فزوجها النبي عليه الصلاة والسلام بعد منصرفه من بدر من علي رضي الله عنه وأرضاه، فولدت له الحسن والحسين ومحسناً، فأما محسن فتوفي وهو صغير، فبقيت الذرية التي تنتسب إليه صلى الله عليه وسلم محصورة في ذريته عليه الصلاة والسلام من الحسن والحسين رضوان الله تعالى عليهما، فقوله عليه الصلاة والسلام: (لمهدي مني) أي: من ذرية الحسن أو من ذرية الحسين، وجمهور أهل السنة على أن الأحاديث تدل على أنه من ذرية الحسن بن علي، وأن اسمه محمد بن عبد الله ثم ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي، فهو من جهة أبيه ينتهي إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وإذا وصلنا إلى الحسن فإنه يتفرع من جهة أمه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لمهدي مني).