18- عرض الأمم:

إذا كانت المعارض اليوم تزخر بالناس من مختلف الأمم, فإن المربد اقتصر على العرب والفرس فقط. وكان مضى على هذين الجنسين أكثر من قرن وهما يتمازجان دما وطبائع وعادات، حتى تعلم كثير من الفرس النازلين في بقاع أغلب أهلها عرب، اللغة العربية وثقفوها وأحسنوا التكلم بها نظما ونثرا. ولم يخل المربد من هذه الطبقة المولدة الجديدة، فقد كانت تغشاه, وتضيف إلى ما به من ألوان لونا حديثا لا عهد للناس بمثله.

وقد رُوي أن أديب العرب وفارس عبد الله بن المقفع، دعا جماعة بالمربد ناحية وطرح عليهم هذا السؤال: "أي الأمم أعقل؟ " فكانت الأجوبة مختلفة، وعرض المجيبون أحوال من يعرفون من الأمم، فلا علينا وقد شهدنا مشاهد النضال في المربد من حروب وهجاء، أن نشهد مجلسا علميا هادئا يضم نخبة من ذوي العقول الراجحة والآراء الحصيفة:

قال شبيب بن شيبة أحد بلغاء العرب وجليس الملوك:

كنا وقوفا بالمربد، وكان المربد مألف الأشراف، إذ أقبل ابن المقفع فتبشبشنا به وبدأناه بالسلام، فرد علينا السلام ثم قال: "لو ملتم إلى دار نيروز وظلها الظليل، وسورها المديد، ونسيمها العجيب، فعودتم أبدانكم تمهيد الأرض، وأرحتم دوابكم من جهد الثقل، فإن الذي تطلبونه لم تفلتوه، ومهما قضى الله لكم من شيء تنالوه".

فقبلنا وملنا. ولما استقر بنا المكان قال لنا:

"أي الأمم أعقل؟! ".

فنظر بعضنا إلى بعض! فقلنا: لعله أراد أصله من فارس, فقلنا: "فارس".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015