مسألة في معاملة أصحاب الحرام، وينقسم حالهم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون الحرام قائمًا بعينه عند الغاصب أو السارق أو شبه ذلك، فلا يحل شراؤه منه ولا البيع به إن كان عينًا ولا أكله إن كان طعامًا ولا لبسه إن كان ثوبًا ولا قبول شيء من ذلك هبة ولا أخذه في دين، ومن فعل شيئًا من ذلك فهو كالغاصب. والقسم الثاني: أن يكون الحرام قد فات من يده ولزم ذمته فله ثلاث أحوال:
الأولى: أن يكون الغالب على ماله الحلال، فأجاز ابن القاسم معاملته وحرمها أصبغ.
الثانية: أن يكون الغالب على ماله الحرام فتمنع معاملته على وجه الكراهة عند ابن القاسم، والتحريم عند أصبغ.
والثالثة: أن يكون ماله كله حرامًا، فإن لم يكن له قط مال حلال حرمت معاملته، وإن كان له مال حلال إلا أنه اكتسب من الحرام ما أربى على ماله
واستغرق ذمته فاختلف في جواز معاملته بالجواز، والمنع والتفرقة بين معاملته بعوض فيجوز كالبيع وبين هبته ونحوها فلا يجوز. اهـ. قاله ابن جزي. وفي سراج الإخوان للعارف بالله عثمان بن فودى: فاعلموا يا إخواني أن الحلال هو ما جهل أصله، والحرام ما حقق أنه ملك للغير، والشبهة ما لم يتعين حله ولا حرمته. قال أحمد زروق في مفتاح السداد شرح إرشاد السالك: يعني هذا الكتاب الحلال ما انحلت منه التبعات من حقوق الله وحقوق عباده وهو ما جهل أصله على الصحيح، والشبهة ما لم يتعين حله ولا حرمته اهـ. وينبغي للمكلف أن يسلك سبيل السلف في الورع وهو على ثلاث درجات: ورع عن الحرام وهو واجب، وورع عن الشبهات وهو متأكد وإن لم يجب، وورع عن الحلال مخافة الوقوع في الحرام وهو فضيلة وهو ترك ما لا بأس به حذرًا مما به البأس، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ