لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه))، وهذه الأحاديث الأربعة جمعت جميع الأخلاق المحمودة كما ذكروا ذلك فتأمل.
قال رحمه الله تعالى: (ومن التقوى النظر في المكاسب وآداب النفس في تحصيل القوت من الحلال فمن كان ماله حرامًا لم تجز معاملته وأكل طعامه وقبول هديته وإن كان مشتبهًا كره والأولى التنزه)، يعني من تقوى الله تعالى أن ينظر المكلف في أمر المعيشة في المكاسب لطعامه وشرابه هو وعياله حتى يكون من الحلال؛ لأن الله أمر بأكل الطيب وهو الحلال لقوله: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]، وقوله: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا} [المؤمنون: 51]، قال بعض المفسرين: نبه سبحانه بتقديم أكل الطيب على العمل الصالح، على أن العمل لا ينتفع به صاحبه إلا بعد إصلاح الرزق باكتسابه من باب الحلال، لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين))، وذكر الآيتين المتقدمتين، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. وفي الترمذي: قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به))، والسحت: الحرام. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: ((لا يقبل الله صلاة من في بطنه حرام))، وعنه أيضًا: ((من أكل لقمة من حرام لم يقبل منه عمله أربعين صباحًا))، وفي أخرى: ((طلب الحلال واجب على كل مسلم))، ففي جميع ذلك حث على الاجتهاد في القوت وتحصيله من جهة تسكن إليها نفسه بحيث لا يعلم أن للغير فيه حقًا اهـ. قاله النفراوي عند قول صاحب الرسالة: وأمر بأكل الطيب وهو الحلال فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبًا. فراجعه إن شئت. وأما قول المصنف: فمن كان ماله حرامًا لم تجز معاملته إلخ. وبيان ذلك كما قال في القوانين: