وكانت الدولة التركية لا ترى نجدا وأهلها شيئا يستحق الاهتمام، ولذلك لما قسمت البلاد الإسلامية التي تحت نفوذها إلى ولايات (إيالات) لم يكن لنجد أي ذكر، ثم لما قامت الدعوة وفي أول عهدها لم تأبه بها الدولة العثمانية، مع العلم أن خصوم الدعوة كانوا يراسلون دولة الخلافة ويستعدونها عليها، ويشوهون سمعتها لديها، وقد بلغ تشويه صورة الدعوة لدى الدولة العثمانية أقصى ما يمكن تصوره من الكذب والبهتان والاستعداء عن طريق الرسائل والتقارير الرسمية وغير الرسمية، والبعوث وسائر الوسائل التي لا تملك الدعوة معشارها.

والمتأمل لكلام الإمام في هذه المسألة يدرك أنه لم يتقصد الخروج على الخلافة، ولا معارضتها، بل كان يرى أن ما يقوم به من الدعوة أمر واجب شرعا لا علاقة له برضى الخلافة، وأنه لم يفتت على الخلافة في ذلك، وأن أمير بلده (العيينة) وحاكمها (ابن معمر) ثم ابن سعود في (الدرعية) كان يعاونه ويؤيده وهو واليه وأميره المباشر، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن الإمام يعتقد بأصول أهل السنة والجماعة في وجوب طاعة الإمام بالمعروف، وأنه لا يجوز الخروج عليه برا كان أو فاجرا، وقد قرر هذا الأصل وبينه في رسائل مؤلفاته، وذكرنا طرفا منه في هذا الكتاب.

ثم إن الدولة التركية آنذاك في عهد الإمام وإلى أن سقطت كانت واقعة تحت طائلة البدع والتصوف، فكانت تتبنى البدع، وتؤيد الطرق الصوفية، وتنشرها وتحميها، وتسخر لها الإمكانات والإدارات والأوقاف، ويتسابق ولاتها وأمراؤها إلى ذلك.

فأسهمت في ترسيخ بدع الأضرحة والقباب والمزارات والمشاهد البدعية، ووقع خلفاؤها المتأخرون تحت تأثير شيوخ الطرق البدعية، فانصرفت قلوبهم لغير الله، فانهزمت نفوسهم، وانحرفت عقيدتهم، واتجهت إلى طلب النفع ودفع الضر من غير الله، وأصيبت عباداتهم وأعمالهم بداء التصوف، وأصدق مثال على ذلك الرسالة التي وجدت حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الخليفة العثماني سليم يتضرع فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من دون الله وفيها: " من عبيدك السلطان سليم وبعد، يا رسول الله قد نالنا الضر، ونزل بنا من المكروه ما لا نقدر على دفعه، واستولى عباد الصلبان على عباد الرحمن، نسألك النصر عليهم، والعون عليهم، وأن تكسرهم عنا. . . " (?) إلخ من العبارات الشركية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015