ثم قال مبينا السبب في إثارة هذه المفتريات من قبل خصوم الدعوة: " ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جدا، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله " (?) .
دعوى الخروج على الخلافة: إن الدارس لحال نجد يلحظ أنها منذ القرن الثالث الهجري كانت تتنازعها سلطات مختلفة فصلتها عن التبعية المباشرة لدولة الخلافة العباسية ثم العثمانية، فمنذ سنة (251 هـ) تقريبا استقلت دولة بني الأخيضر (شيعية زيدية) بالحجاز عن الخلافة العباسية، وضمت إليها نجدا واليمامة، ثم خضعت نجد واليمامة لنفوذ القرامطة الباطنية إلى منتصف القرن الخامس الهجري.
وبعدها بقيت هذه الديار مهملة تتنازع عليها الدويلات، وفيها زعامات ورئاسات محلية إلى أن جاء الأتراك إلى الأحساء واليمن والحجاز، فكانت نجد تحت إشراف الولاة الأتراك في الأحساء أو الحجاز، وفي كل الأحوال كان هذا الإشراف غير مباشر، بل هو إلى الشكلي والرمزي أقرب منه إلى الفعلي، ومع ذلك فقد انقطع هذا الإشراف كلية حين استقل زعيم بني خالد براك بن غرير بالأحساء منذ عام (1080 هـ) .
وحين بدأ الإمام بدعوته المباركة قبيل منتصف القرن الثاني عشر كانت نجد كلها (ومنها اليمامة) تحكمها إمارات ومشيخات صغيرة متنازعة، ليست لها تبعية لآخرين إلا التبعية الرمزية لحاكم الأحساء - وهو مستقل عن الخلافة عمليا -، وكان كل أمير وشيخ في نجد يشعر بالاستقلالية المطلقة.
وكانت هذه الإمارات والولايات المستقلة في نجد ضعيفة، وأهل الحل والعقد في كل بلدة هم الذين ينظمون شئونهم الداخلية، وعلاقاتهم الخارجية في الحرب والسلم، وفي القضاء والحسبة، وإن كان قد يوجد في نفوس بعض الناس شيء من الولاء الرمزي للخلافة كالدعاء للسلطان في المنابر ونحو ذلك.