ومن أهم ما ينادي به أن نمط اللغة المتكلمة يؤثر في عقلية المتكلمين بها، وفي سلوكهم، بل ويرغمهم على التفكير والتصرف في اتجاهات معينة, وفي رأينا أن هذا ربما يحدث جزئيا بمجرد أن تستقر اللغة، ولكن يجب ألا ننسى أن اللغة هي التي تطور أساسا لتناسب عقلية المتكلمين ونشاطاتهم، وليس العكس.
إن علم اللغة التاريخي يمكن أن يكون موضوعا شائقا للدراسة، ويحقق في نفس الوقت مستوى علميا رفيعا, وهو يجب -على كل حال- أن يعدل منهجه الأساسي تعديلا ليس بالكبير، طبقا لما تقتضيه ضرورة تطبيق هذا المنهج ولتحقيق التواؤم مع القواعد المبنية على الشواهد الكافية، وكل المادة المناسبة يجب أن تجمع وتفحص بدقة وتقدم للدراسة, ولا يصح إهمال أي منها أو إسقاطه، لأنه يناسب نظرية أخرى للبحث, وحينما تكون الشواهد الموضوعة تحت اليد متعارضة، أو غير كافية لتكوين حكم قطعي -كما يحدث في كثير من الأحيان- فإنه يجب اللجوء إلى الافتراض الذي تسمح به المادة، ويظل الفرض محلا للتحقيق والفحص إلى وقت متأخر، حين تظهر شواهد جديدة يمكن الاعتماد عليها.
علم اللغة الجغرافي:
كثيرا ما ترتفع الأصوات بالشكوى من عجزنا عن أن نحشد ونعبئ العدد الذي نحتاج إليه من المتكلمين الأجانب، وفشلنا في أن نجذبهم إلى حقل عملنا، ونحولهم إلى وسطنا بطريقة نافعة "حوالي 20 مليونا منهم" لأغراض محلية، أو تعليمية لغوية, وفي حين يعد هذا النقد على حق من بعض النواحي، فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه ليس كل المتكلمين الأجانب "بل ليس معظمهم أو قدر كبير منهم" مؤهلين لمساعدتنا في هذا الميدان، وتقديم تعليمات كهذه إلينا أو حتى لإعطائنا معلومات قيمة أو دقيقة تتعلق بمنطقتهم الخاصة ولغتهم, وفي حين أن هؤلاء الناس قد يمكن اتخاذهم رواة لغويين في ظروف مناسبة،