اسس علم اللغه (صفحة 251)

وبعض اللغويين الوصفيين يجدون صعبا على أنفسهم أن يخفوا نفاد صبرهم بالنسبة للصورة المكتوبة للغة, بل إن منهم أكثر من هذا من يزعمون أنه لا توجد لغة مكتوبة، وإنما يوجد تقابل بين الكلام -الذي يعد اللغة الحقيقية- وبين الكتابة, وإلى جانب الحقيقة أن اللغة المكتوبة تعد -عادة- جليلة الشأن بالنسبة لعالم اللغة التاريخي في دراسته الفلولوجية، فإن عالم اللغة الجغرافي يمكن كذلك أن يشير إلى الدور الكبير الذي لعبته اللغة المكتوبة في كل اللغات الحضارية، وإلى أن الحكومات في جميع أنحاء العالم قد وجدت أمرا ضروريا أن تحاول القضاء على الأمية بين أبنائها, وإذا كانت الكتابة ينظر إليها على أنها فقط رمز الكلام، فيجب ألا ننسى أن الكلام في ذاته يعد فقط رمزا للفكر، من غير النظر إلى مرتبته العليا أو السفلى، وإن انتقال الدلالة -التي هي الهدف الأساسي للغة- يمكن أن يتأثر بالكتابة تماما كما يتأثر بالكلام، كما هو ثابت من النظم الكتابية التي تعبر عن الفكرة بالصورة المكتوبة مباشرة متخطية اللغة المكتوبة.

والمعاناة التي لا يمكن إخفاؤها بسهولة، التي يشكو منها كثير من علماء اللغة الوصفيين ضد زملائهم التاريخيين الذين يعد عملهم متعلقا بتواريخ أقدم منهم, وضد زملائهم الجغرافيين الذين يتناولون أمورا أكثر تعلقا بالتطبيقات العملية لعلم اللغة في الحاضر والمستقبل لتعد أمورا ذاتية، ومن المؤمل أن تختفي بمرور الوقت بناء على ما هو باد من إمكانية وجود توازن بين فروع علم اللغة الثلاثة في المستقبل القريب, وإن بعض علماء اللغة الوصفيين في الواقع ما يزالون في حاجة إلى أن نذكرهم أن اللغات كانت تتكلم وتتعلم وتعلم وتدرس وتناقش مدة طويلة قبل وجود رضي الله عنهoas, ورضي الله عنهloomfield وأن هناك مناهج أخرى للدرس اللغوي غير مناهجهم يمكن أن يتوصل إليها، وربما كانت في بعض الأحيان أرجح من مناهجهم. إن العلم ليعد علما فقط حينما يظل محتفظا بعقليته المتفتحة، وحينما يسمح بالمناقشة الحرة, وإلا فإنه ينتكس إلى مجرد قضايا أو أحكام تحكمية لا تستند إلى دليل أو برهان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015