اسس علم اللغه (صفحة 252)

علم اللغة التاريخي:

لقد أسلم من سوء الخظ علم اللغة التاريخي نفسه منذ البداية إلى شطحات الخيال, وقد كان من السمات الواضحة لعلماء اللغة التاريخيين محاولتهم ربط التطور اللغوي بحادثة تاريخية أو أخرى, وإعطاؤهم صفة السببية والتأثير لظواهر ربما حدثت تلقائيا، أو بمحض الصدفة.

والآن فإن الاتجاه المعاكس الذي يحاول فصل التطور اللغوي نهائيا عن حياة الناس متكلمي اللغة يعد هو الآخر اتجاها غير مرغوب فيه، إذ لا بد في كل الأمثلة من وجود علاقة التأثير أو السببية، بغض النظر عن نوعية هذا السبب أو المؤثر. وليست المشكلة في محاولة البحث عن الأسباب التي أدت إلى التغير اللغوي، وإنما في محاولة استخلاص الأسباب، ووضع اليد عليها قبل استيفاء الأمثلة والشواهد, وأسوأ من هذا الآن ذلك الاتجاه البادي من بعض اللغويين التاريخيين والمتمثل في محاولة تصفية الشواهد لتناسب أغراضهم، مع استبعاد الجزء الذي لا يماشي آراءهم المسبقة. وإعطاء اهتمام زائد لجزء آخر يماشي أحكامهم التي وضعوها قبل بدء البحث.

وإلى هذا الاتجاه المتطرف الذي اتسم به تاريخيو القرن التاسع عشر، يرجع قدر كبير من رد الفعل في الاتجاه المقابل الذي تم عليه يد الممارسة اللغوية الحديثة لعلم اللغة الوصفي التركيبي، التي تعاون أفرادها في إرساء دعائم البحث الميكانيكي المنهجي الذي اعتمد أساسا على الملاحظة المباشرة. ولكن هذه المناهج أيضا من الممكن أن يتسرب إليها سوء الفهم، وخطأ المعالجة، كما تحدثنا من قبل.

ومنذ اللحظة التي بدأ فيها البحث اللغوي يعتمد -وذلك مستهل القرن التاسع عشر- على المادة المسجلة والنقوش بدأ اللغويون يتجهون نحو الملاحظة ذات الطبيعة الشاملة, واهتم اللغويون كذلك بموضوع تطور اللغات، وبخاصة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015