إن الأطلس اللغوي قد أعد أساسًا ليكون مرشدا إلى اللهجات الحية للغة ما، وكان ظهوره مدينًا -إلى حد كبير- للجدل والمناقشة بين النحاة واللغويين المحدثين في القرن التاسع عشر "انظر المبحث رقم 48" وفي محاولتهم لإثبات التنوع اللانهائي للغة، وعدم خضوع اللغة لمعايير محددة في تغيراتها الصوتية أشار اللغويون المحدثون إلى تعدد اللهجات المحلية لبلاد مثل فرنسا وإيطاليا، وأخذوا على عاتقهم مهمة إثبات فكرتهم عن طريق عمل خرائط لهذه اللهجات ولكن حين قيل كل شيء وتم تنفيذه لم يصل اللغويون إلى إثبات أو نفي ما تعلق بموضوع خصامهم الأساسي، لأن كل لهجة يمكن -بل ينبغي- أن تعرض -من الناحية اللغوية- باعتبارها لغة مستقلة قائمة بذاتها، خاضعة لقوانينها الصوتية التي تخصها، لا القوانين الصوتية التي تحكم اللغة الوطنية، ككل.
ومنذ اللحظة الأولى أصبحت تلك الأطالس اللغوية أداة قوية في يد علم اللغة الوصفي يستخدمها لمصلحته. لقد ألقت ضوءا على الصيغ الحية للغة أي بلد، بالإضافة إلى ما تحويه من خصائص لهجية متنوعة، وقد ساعد هذا كثيرا علماء اللغة التاريخيين، وبخاصة عند تحديد معالم التغير التي تمت في الماضي حينما تكون الشواهد المطلوبة مفقودة أو غير كافية، وهذه الأطالس -إلى جانب ذلك- تمد علماء اللغة الجغرافيين بمعلومات مفيدة عن مراكز اللغات في العالم، وما يستعمل منها، وما يعتري أيًا منها من تغيير أو استبدال في مناطق معينة، وإن اهتمام علماء الأطالس اللغوية بدراسة الظواهر اللغوية الحديثة المتكلمة، واستخدامهم للتكنيك العملي الذي ينتقل إلى حقل التجربة يجعلهم أقرب إلى المجال الوصفي للغة دون التاريخي أو الجغرافي.
ويرسل جامعو المادة اللغوية المطلوبة إلى الأمكان المحلية التي يقع عليها الاختيار من إقليم ما -رسمت حدوده- لعمل خرائط له، مع الاستعانة براو يمثل المتكلمين المحليين.
والغرض من هذا السير في الطريق السليم للتزود بمجموعات الكلمات أو العبارات أو الجمل -أو حتى مدلولاتها- التي سبق إعداد مقابلاتها "كلما كان الراوي