سبقت غضبه، وأن مؤاخذته سبقت عقابه، سبحانه فهو الكريم، فاشكر نعمة الله على ذلك، كم رآك على معصية طيلة السنة فسترك وعافاك وأمهلك وأخَّرك حتى أدركك رمضان، ومنحك الفرصة لتتوب فيتوب عليك ويكرمك ويعطيك ويمنحك ويغفر لك ما تقدم من ذنوبك طيلة عمرك؛ ولكن لا بد من الاستعداد لهذا الشهر قبل مجيئه، حتى تتروض النفس على الطاعة قبل الشروع فيها، لابد من إعداد العدة وأخذ الأهبة لرمضان.

قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46]، فلما لم يعدوا العدة للخروج عُلم أنهم غير صادقين؛ لذلك عوقبوا بالتثبيط والخذلان، فإن كنت تريد العتق من النار في رمضان .. إن كنت تريد أن تقبل، وتمحي خطيئتك فلابد من إعداد العدة، يقول ابن القيم رحمه الله: "حذارِ حذار من أمرين: أن يأتي واجب الوقت وأنت غير مستعد له ومتهيء لفعله، فتعاقب بالتثبيط عن فعله والتخذيل عن تحصيله، قال تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ الله إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة: 83].

وحذار من رد الأمر لأول وهلة لمخالفته هواك؛ فتعاقب بتقليب القلب، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] " اهـ.

من هنا عُلم أنه لا بد من الاستعداد لشهر رمضان قبل دخوله حتى لا تعاقب بالتثبيط عن أفعال الخير والتخذيل عن زيادة الطاعات في رمضان، وافهم الآية في ضوء هذا الكلام، أن كراهية الله انبعاثهم وتثبيطهم كانت نتيجة عدم استعدادهم أصلًا وعدم صدق رغبتهم في ذلك، إما إذا استعد الإنسان للعمل وتجهز لأدائه وأقبل على الله راغبًا إليه؛ فإن الله سبحانه أكرم من أن يَرُدَّ عبدًا أقبل عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015