ففي عِيْشِهِ - صلى الله عليه وسلم - تقول عائشة - رضي الله عنها -: "ما شَبعَ آلُ محمدِ منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّ ثلاث ليال تِباعًا حتى قبض" (?).

وفي إدامه يقول جابر - رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل أهله الأُدْمَ فقالوا: ما عندنا إلا خَلّ، فدعا به فجعل يأكل ويقول: "نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل" (?).

وفي مسكنه في حديث عمر الطويل، يقول عمر: "فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثرَ الرمال بجنبه، متكئٌ على وِسادة من أَدَمِ حشوها لِيف ... " (?).

فهذا واقعُ خير خلق الله -عز وجل- في هذه الدنيا، وهذا موقفه من وسائل العيش التي جعلت الكثير منا -إلا من رحم الله- يتمادى في طلبها بصورة تزيده غفلةً عن طاعة الله -عز وجل- ويبيع دينه من أجلها.

وفي الاعتكاف يتخفف المعتكف من هذه الأمور، فيعرف قيمتها الحقيقية وأنها لا أهمية لها ويصبح كأنه إنسان غريب في هذه الدنيا، فهو من أجل مرضاة الله -عز وجل- ارتضى أن يقبع في ناحيةٍ من المسجد ليس لديه في الغالب إلا وسادة يضع عليها رأسه وغطاء يتغطى به، فراشه هو فراش المسجد؛ فهو قد ترك فراشه الوثير وعاداته الخاصة من أجل ذلك الرِّضَى.

وكذلك طعامه، فهو عادةً لا يُؤتَى إليه بالكثير من الطعام، فيأكل كما يأكل الغريب، ويأكل كما يأكل العبد الفقير إلى ربه.

وبهذا يتربى الفرد على حقيقةٍ لها أصالتها في التربية الإِسلامية، وهي أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015