فإذا كَمُل إيمان المؤمن كره ذلك كلَّه أعظم من كراهته للقتل والضرب؛ ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات وجود حلاوة الإيمان: "أن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يُلقى في النار" (?)، وقال الله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33].
سئل ذو النون المصري: متى أحبُّ ربي؟، قال: إذا كان ما يكرهه أَمَرُّ عندك من الصبر، وقال غيره: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يكرهه حبيبك، وكثيرٌ من الناس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه؛ فلهذا كثيرٌ منهم لو ضُرِبَ ما أفطر في رمضان لغير عذر، ومن الجهال من لا يفطر لعذر ولو تضرر بالصوم جريًا على العادة، مع أن الله يحب منه أن يقبل رخصته، وقد اعتاد مع ذلك ما حرم اللهُ من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق، فهذا يجري على عوائده في ذلك كله، لا على مقتضى الإيمان.
ومن عَمِلَ بمقتضى الإيمان صارت لذتُهُ في مصابرة نفسه عمَّا تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله، وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكرهه الله منه، وينفر منه وإن كان ملائمًا للنفوس كما قيل:
إنْ كانَ رضاكمْ في سَهَرِي ... فسلامُ اللهِ عَلى وَسَنِي
وقال الآخر:
عذابُهُ فيكَ عَذْبُ ... وبُعْدُهُ فيكَ قُربُ
وأنتَ عِندى كرُوحِي ... بلْ أنتَ منها أَحَبُّ
حَسبيِ مِنَ الحبِّ أنِّي ... لِمَا تُحِبُّ أحِبُّ