الجنس، وبالمدّعي له حاجة إلى أن يصحّح دعواه في جواز وجوده على الجملة إلى أن يجيء إلى وجوده في الممدوح. فإذا قال: «فإن المسك بعض دم الغزال»، فقد احتجّ لدعواه، وأبان أن لما ادّعاه أصلا في الوجود، وبرّأ نفسه من ضعة الكذب، وباعدها من سفه المقدم على غير بصيرة، والمتوسّع في الدعوى من غير بيّنة. وذلك أن المسك قد خرج عن صفة الدم وحقيقته، حتى لا يعدّ في جنسه، إذ لا يوجد في الدم شيء من أوصافه الشريفة الخاصة بوجه من الوجوه، لا ما قلّ ولا ما كثر، ولا في المسك شيء من الأوصاف التي كان لها الدم دما البتة.
والضرب الثاني: أن لا يكون المعنى الممثّل غريبا نادرا يحتاج في دعوى كونه على الجملة إلى بيّنة وحجّة وإثبات. نظير ذلك أن تنفي عن فعل من الأفعال التي يفعلها الإنسان الفائدة، وتدّعي أنه لا يحصل منه على طائل، ثم تمثّله في ذلك بالقابض على الماء والرّاقم فيه، فالذي مثّلت ليس بمنكر مستبعد، إذ لا ينكر خطأ الإنسان في فعله أو ظنّه وأمله وطلبه. ألا ترى أن المغزى من قوله (?): [من الطويل]
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض … على الماء خانته فروج الأصابع (?)
أنّه قد خاب في ظنّه أن يتمتّع بها ويسعد بوصلها، وليس بمنكر ولا عجيب ولا ممتنع في الوجود، خارج من المعروف المعهود، أن يخيب ظنّ الإنسان في أشباه هذا من الأمور، حتى يستشهد على إمكانه، وتقام البيّنة على صدق المدّعي لوجدانه.
وإذا ثبت أن المعاني الممثّلة تكون على هذين الضربين، فإن فائدة «التمثيل» وسبب الأنس في الضرب الأول بيّن لائح، لأنه يفيد فيه الصّحة وينفي الرّيب والشكّ، ويؤمن صاحبه من تكذيب المخالف، وتهجّم المنكر، وتهكّم المعترض، وموازنته بحالة كشف الحجاب عن الموصوف المخبر عنه حتى يرى ويبصر، ويعلم كونه على ما أثبتته الصّفة عليه موازنة ظاهرة صحيحة.
وأمّا الضرب الثاني: فإن «التمثيل» وإن كان لا يفيد فيه هذا الضرب من الفائدة، فهو يفيد أمرا آخر يجري مجراه. وذلك أن الوصف كما يحتاج إلى إقامة الحجة على صحة وجوده في نفسه، وزيادة التثبيت والتقرير في ذاته وأصله، فقد يحتاج إلى بيان المقدار فيه، ووضع قياس من غيره يكشف عن حدّه ومبلغه في القوة والضعف والزيادة والنقصان. وإذا أردت أن تعرف ذلك، فانظر أوّلا إلى التشبيه