واحدة، من حيث دخل في الكلام معنى يربط إحداهما بالأخرى، حتى صارت الجملة لذلك بمنزلة الاسم المفرد في امتناع أن تحصل به الفائدة. فلو قلت: «إن تأتني» وسكتّ، لم تفد كما لا تفيد إذا قلت: «زيد» وسكتّ، فلم تذكر اسما
آخر ولا فعلا، ولا كان منويّا في النفس معلوما من دليل الحال. ثم إن الأمر، وإن كان كذلك، فقد يجوز أن تخرج الكلام عن الجزاء فتقول: «تأتيني»، فتعود الجملة على الإفادة، لإغنائك لها عن أن ترتبط بأخرى، وإزالتك المعنى الذي أوجب فقرها إلى صاحبة لها، إلا أن الغرض الأوّل يبطل والمعنى يتبدّل، فكذلك الاقتصار على الجملة التي هي: «أبرقت قوما عطاشا غمامة»، يخرج عن غرض الشاعر.
فإن قلت: فهذا يلزمك في قولك: «هو يصفو ويكدر». وذلك أن الاقتصار على أحد الأمرين يبطل غرض القائل، وقصده أن يصف الرجل بأنه يجمع الصفتين، وأن الصفاء لا يدوم.
فالجواب: أن بين الموضعين فرقا، وإن كان يغمض قليلا، وهو أن الغرض في البيت أن يثبت ابتداء مطمعا مؤنسا أدّى إلى انتهاء مؤيس موحش، وكون الشيء ابتداء لآخر هو له انتهاء، معنى زائد على الجمع بين الأمرين، والوصف بأن كلّ واحد منها يوجد في المقصود. وليس لك في قولك: «يصفو ويكدر»، أكثر من الجمع بين الوصفين. ونظير هذا أن تقول: «هو كالصّفو بعد الكدر»، في حصول معنى يجب (?) معه ربط أحد الوصفين بالآخر في الذكر ويتعيّن به الغرض، حتى لو قلت:
«يكدر ثم يصفو»، فجئت بثمّ التي توجب الثاني مرتّبا على الأوّل، وأنّ أحدهما مبتدأ والآخر بعده، صرت بالجملة إلى حد ما نحن عليه من الارتباط، ووجوب أن يتعلّق الحكم بمجموعهما، ويوجد الشبه إن شبّهت ما بينهما، على التشابك والتداخل، دون التباين والتزايل.
ومن الواضح في كون الشّبه معلّقا بمجموع الجملتين، حتى لا يقع في الوهم تميّز إحداهما على الأخرى قوله: «بلغني أنك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيّهما شئت والسّلام» 2، وذلك أن المقصود من هذا الكلام:
التردّد بين الأمرين، وترجيح الرأي فيهما، ولا يتصوّر التردّد والترجيح في الشيء الواحد، فلو جهدت وهمك أن تتصوّر لقولك: «تقدّم رجلا» معنى وفائدة ما لم تقل: «وتؤخّر أخرى»، أو تنوه في قلبك، كلّفت نفسك شططا.